فيما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد" والكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ويدّعي معرفة الأسرار وكان في العرب كهنة يدعون معرفة الأمور فمنهم من يزعم أنه له رئيا من الجن يلقي إليه الأخبار.
قال أبو الحسن الآمدي في "مناقب الشافعي" التي ألفها : سمعت الشافعي يقول : من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى :﴿إِنَّه يَرَااكُمْ هُوَ وَقَبِيلُه مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ (الأعراف : ٢٧) إلا أن يكون الزاعم نبياً كذا في "حياة الحيوان".
والمنجم إذا ادعى العلم بالحوادث الآتية فهو مثل الكاهن وفي الحديث :"من سأل عرّافاً لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" والعرّاف من يخبر عن المسروق ومكان الضالة والمراد من سأله على وجه التصديق لخبره وتعظيم المسؤول يعني إذا اعتقد أنه ملهم من الله أو أن الجن يلقون إليه مما يسمعون من الملائكة فصدقه فهو حرام وإذا اعتقد أنه عالم بالغيب فهو كفر كما في حديث الكاهن.
وأما إذا سأل ليمتحن حاله ويخبر باطن أمره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهو جائز فعلم أن الغيب مختص بالله تعالى.
وما روي عن الأنبياء والأولياء من الأخبار عن الغيوب فبتعليم الله تعالى إما بطريق الوحي أو بطريق الإلهام والكشف فلا ينافي ذلك الاختصاص علم الغيب مما لا يطلع عليه إلا الأنبياء والأولياء والملائكة كما أشار إليه بقوله :(الجن : ٢٦ ـ ٢٧) ومنه ما استأثر لنفسه لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل كما أشار إليه بقوله :﴿وَعِندَه مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَآ إِلا هُوَ﴾ (الأنعام : ٥٩) ومنه علم الساعة فقد أخفى الله علم الساعة لكن إماراتها بانت من لسان صاحب الشرع كخروج الدجال ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها وغيرها مما يظهر في آخر الزمان من غلبة البدع والهوى وكذا أخبر بعض الأولياء عن نزول المطر وأخبر عما في الرحم من ذكر وأنثى فوقع كما أخبر لأنه من قبيل الإلهام الصحيح الذي لا يتخلف وكذا مرض أبو العزم الأصفهاني في شيراز فقال : إن مت في شيراز فلا تدفنوني إلا في مقابر اليهود فإني سألت الله أن أموت في طرطوس فبرىء ومضى إلى طرطوس ومات فيها يعني أخبر أنه لا يموت في شيراز فكان كذلك.
يقول الفقير : أخبر شيخي وسندي قدس سره في بعض تحريراته عن وقت وفاته قبل عشرين سنة فوقع كما قال وذلك من إمارات وراثته الصحيحة.
فإن قيل : إذا أمكن العلم بالغيب لخلص عباده تعالى بتعليمه إياهم فلم لم يعلم الله نبيه الغيوب المذكورة في الآية؟ فالجواب أن الله تعالى إنما فعل ذلك إشعاراً بأن المهم للعبد أن يشتغل بالطاعة ويستعد لسعادة الآخرة ولا يسأل عما لا يهم ولا يشتغل بما لا يعنيه فافهم جداً واعمل لتكون عاقبتك خيراً.
١٠٥
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢