فلذلك في حق المستعد في الحقيقة ألا ترى أن أبا جهل رأى النبي عليه السلام ووصل إليه لكن لما رآه بعين الاحتقار وأنه يتيم أبي طالب لا بعين التعظيم وأنه رسول الله ووصل إليه وصول عناد وإنكار لا وصول قبول وإقرار لم يصر جوهراً وهكذا حال ورثته مع المقرين والمنكرين ثم إن الاهتداء إما اهتداء إلى الجنة ودرجاتها وذلك بالإيمان والإخلاص وإما اهتداء إلى القربة والوصلة وذلك بالمحبة والترك والفناء والأول حال أهل العموم والثاني حال أهل الخصوص وهو أكمل من الأول فعليك بقبول "الإرشاد" لتصل إلى المراد وإياك ومتابعة أهل الهوى فإنهم ليسوا من أهل الهدى والميت لا يقدر على تلقين الحي وإنما يقدر الحي تلقين الميت.
ـ روي ـ أن الشيخ نجم الدين الأصفهاني قدس سره خرج مع جنازة بعض الصالحين بمكة فلما دفنوه وجلس الملقن يلقنه ضحك الشيخ نجم الدين وكان من عادته لا يضحك فسأله بعض أصحابه عن ضحكه فزجره فلما كان بعد ذلك قال : ما ضحكت إلا أنه لما جلس على القبر يلقن سمعت صاحب القبر يقول : ألا تعجبون من ميت يلقن حياً.
قال الصائب :
١٠٧
زبى دران علاج درد خود جستن بدان ماند
كه خاراز ابرون آرد كسى بانيش عقربها
وقال المولى الجامي :
بلاف ناخلفان زمانه غره مشو
مرو و سامرى ازره ببانك كوساله
وقال الحافظ :
درراه عشق وسوسه اهر من بسست
هش دار وكوش دل بيام سروش كن
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المهتدين إلى جنابه اللائقين بحسن خطابه ويصوننا من الضلالة والصحبة بأربابها ويحفظنا من الغواية والاقتداء بأصحابها إنه الهادي والمرشد.
﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاـاه بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أَتَـاـاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِا مَا لَكُم مِّن دُونِه مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الامْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الارْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُه أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦
﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ خبره قوله :﴿الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ أي : الأجرام العلوية والسفلية ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من السحاب والرياح ونحوهما ﴿فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ (درمقدار شش از ايام دنيا).
وقال في "كشف الأسرار" :(درشش روز هرروزى ازان هزار سال) انتهى ولو شاء خلقها في ساعة واحدة لفعل ولكنه خلقها في ستة أيام ليدل على التأني في الأمور ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ (س مستولى شد حكم اوبر عرش كه اعظم مخلوقاتست) وقد سبق تحقيق الآية مراراً ويكفي لك إرشاداً ما في سورة الفرقان إن كنت من أهل الإيمان فارجع إلى تفسيرها وما فيها من الكلام الأكبرى قدس سره الخطير ﴿مَا لَكُم مِّن دُونِه مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ﴾ أن مالكم حال كونكم متجاوزين رضى الله تعالى أحد ينصركم ويشفع لكم ويجيركم من بأسه ﴿أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ﴾ (آياند ذير نمى شويد از مواعظ ربانى ونصائح قرآني).
قال في "الإرشاد" أي : ألا تسمعون هذه المواعظ فلا تتذكرون بها فالإنكار متوجه إلى عدم الاستماع وعدم التذكر أو تسمعونها فلا تتذكرون بها فالإنكار متوجه إلى عدم التذكر مع تحقق ما يوجبه من السماع.
والفرق بين التذكر والتفكر أن التفكر عند فقدان المطلوب لاحتجاب القلب بالصفات النفسانية وأما التذكر فهو عند رفع الحجاب والرجوع إلى الفطرة الأولى فيتذكر ما انطبع في الأزل من التوحيد والمعارف.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦
﴿يُدَبِّرُ الامْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأرْضِ﴾ التدبير التفكر في دبر الأمور والنظر في عاقبتها، وبالفارسية :(انديشه كردن درعاقبت كار) وهو بالنسبة إليه تعالى التقدير وتهيئة الأسباب وله تعالى مدبرات سماوية كما قال فالمدبرات أمراً فجبريل موكل بالرياح والجنود وميكائيل بالقطر والنبات وملك الموت بقبض الأنفس وإسرافيل ينزل عليهم بالأمور.
والمعنى يدبر الله تعالى أمر الدنيا بأسباب سماوية كالملائكة وغيرها نازلة آثارها إلى الأرض وأضاف التدبر إلى ذاته إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره لا أثر له ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ العروج ذهاب في صعود من عرج بفتح الراء يعرج بضمها صعد أي : يصعد ذلك الأمر إليه تعالى ويثبت في علمه موجوداً بالفعل ﴿فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ﴾ (اندازه آن) ﴿أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ أي : في برهة من الزمان متطاولة والمراد بيان طول امتداد ما بين تدبير الحوادث وحدوثها من الزمان.
وقال بعضهم :﴿يُدَبِّرُ الامْرَ﴾ (ميسازد كار ذنيا يعني حكم ميكند بدان وميفرستد ملكي راكه موكلست بدان ﴿مِنَ السَّمَآءِ﴾ ) از آسمان ﴿إِلَى الأرْضِ﴾ بسوى زمين س ملك مى آيد وآن كار بجاى
١٠٨