﴿ذَالِكَ﴾ الله العظيم الشأن المتصف بالخلق والاستواء وانحصار الولاية والنصرة فيه وتدبير أمر الكائنات ﴿عَـالِمُ الْغَيْبِ﴾ ما غاب عن الخلق ﴿وَالشَّهَـادَةِ﴾ ما حضر لهم ويدبر أمرهما حسبما يقتضيه.
وقال الكاشفي :(داند امور دنيا وآخرت يا عالم بآنه بوده باشد وخواهد بود).
وقال بعض الكبار : الغيب الروح والشهادة النفس والبدن ﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالب على أمره ﴿الرَّحِيمُ﴾ على عباده في تدبيره.
وفيه إيماء إلى أنه تعالى يراعي المصالح تفضلاً وإحساناً لا إيجاباً.
﴿الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُ﴾ خبر آخر لذلك.
قال الراغب : الإحسان يقال على وجهين : أحدهما : الإنعام على الغير يقال أحسن إلى فلان والثاني : إحسان من فعله وذلك إذا علم علماً حسناً أو عمل عملاً حسناً وعلى هذا قول أمير المؤمنين رضي الله عنه : الناس على ما يحسنون أي : منسوبون إلى ما يعلمون من الأفعال الحسنة انتهى أي : جعل كل شيء خلقه على وجه حسن في الصورة والمعنى على ما يقتضيه استعداده وتوجبه الحكمة والمصلحة، وبالفارسية :(نيكو كرد هريزى راكه بيافريد يعنى بياراست بروجه نيكو بمقتضاى حكمت) :
كردن آنه درجهان شايد
كرده آننانكه مى بايد
ازتو رونق كرفت كار همه
كه تويى آفريد كار همه
نقش دنيا بلوح خاك ازتست
دل دانا وجان اك ازتست
طوّل رجل البهيمة والطائر وطوّل عنقهما لئلا يتعذر عليهما ما لا بد لهما منه من قوتهما ولو تفاوت ذلك لم يكن لهما معاش وكذلك كل شيء من أعضاء الإنسان مقدر لما يصلح به معاشه فجميع المخلوقات حسنة وإن اختلفت أشكالها وافترقت إلى حسن وأحسن كما قال تعالى :﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (التين : ٤) قال ابن عباس رضي الله عنهما : الإنسان في خلقه حسن.
قال البقلي : القبيح قبيح من جهة الامتحان وحسن من حيث صدر من أمر الرحمن.
وقال الشيخ اليزدي : إن الله تعالى خلق الحسن والقبيح لكن القبيح كان في علمه أن يكون قبيحاً فلما كان ينبغي تقبيحه كان الأحسن والأصوب في خلقه تقبيحه على ما ينبغي في علم الله لأن المستحسنات إنما حسنت في مقابلة المستقبحات فلما احتاج الحسن إلى قبيح يقابله ليظهر حسنه كان تقبيحه حسناً انتهى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦
يقول الفقير : لا شك أن الله تعالى خلق الحسن والقبح وإن كان كل صنعه وفعله جميلاً ومطلق الخلق قد مدح به ذاته كما قال :﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ﴾ (النحل : ١٧)
١١٠
لكنه لا يقال في مقام المدح أنه تعالى خالق القردة والخنازير والحيات والعقارب ونحوها من الأجسام القبيحة والضارة بل يقال خالق كل شيء فالقبيح ليس خلقه وإيجاده بل ما خلقه وإن كان قبح القبيح بالنسبة إلى مقابلة الحسن لا في ذاته وقد طلب عين الحمار بلسان الاستعداد صورته التي هو عليها وكذا الكلب ونحوه وصورتها مقتضى عينها الثابتة وكذا الحكم على الكلب بالنجاسة مقتضى ذاته وكل صورة وصفة في الدنيا فهي صورة كمال وصفة كمال في مرتبتها في الحقيقة ولو لم يظهر كل موجود في صورة التي هو عليها وفي صفته التي ألبسها الخلاق إليه بمقتضى استعداده لصار ناقصاً قبيحاً فأين القبح في الأشياء وقد خلقها الله بالأسماء الحسنى.
﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الانسَـانِ﴾ من بين جميع المخلوقات وهو آدم أبو البشر عليه السلام.
﴿مِنَ الطِّينِ﴾ الطين التراب والماء المختلط وقد سمى بذلك وإن زال عنه قوة الماء.
قال الشيخ عبد العزيز النسفي رحمه الله :(خداوند تعالى قالب آدم را زخاك آفريد يعني از عناصر أربعه أما خاك ظاهر تربود خاكرا ذكر كردد وخاك آدم را ميان مكه وطائف مى رورد وتربيت داد بروايتى هل سال وبروايتى هل هزار سال اينست معنى "خمرت طينة آدم بيدى أربعين صباحاً").
وفي "كشف الأسرار" :(ه زيان دارد اين جوهر راكه نهادوى از كل بوده ون كمال وى دردل نهاده قيمت اوكه هست از روى تربت آن سركه با آدميان بود نه باعرش ونه باكرسى نه فافلك نه باملك زيرا كه همه بندكان مجرد بودند وآدميان همه بندكان بودند وهم دوستان) ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ ذريته سميت به لأنها تنسل من الإنسان أي : تنفصل كما قال في "المفردات" النسل الانفصال من الشيء والنسل الولد لكونه ناسلاً عن أبيه انتهى ﴿مِن سُلَـالَةٍ﴾ أي : من نطفة مسلولة أي : منزوعة من صلب الإنسان.
وقال الكاشفي :(از خلاصه بيرون آورده از صلب) ثم أبدل منها قوله :﴿مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ حقير وضعيف كما في "القاموس"، وبالفارسية :(از آب ضعيف وخوار) وهو المنى.