جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦
وسئل الشبلي قدس سره عن هذه الآية فقال : يا رب املأ نارك من الشبلي واعف عن عبيدك ليتروح الشبلي بتعذيبك كما يتروح جميع العباد بالعوافي وذلك أن من استوى عنده اللطف والقهر بالوصول إلى الأصل رأى مقصوده في كل واحد منهما كما رأى أيوب عليه السلام المبتلي في بلائه فطاب وقته وحاله وصفاً باله في عين الكدر.
ما بلا خواهيم وزاهد عافيت
هرمتاعى را خريدارى فتاد
وعن الحسن قال : خطبنا أبو هريرة رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : سمعت رسول الله يقول :"ليعتذرن الله إلى آدم ثلاث معاذير يقول الله يا آدم لولا أني لعنت الكذابين وأبغضت الكذب والخلف وأعذب عليه لرحمت اليوم ولدك أجمعين من شدة ما أعددت لهم من العذاب ولكن حق القول مني لئن كذب رسلي وعصى أمري لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين.
ويقول الله يا آدم : اعلم أني لا أدخل من ذريتك النار أحداً ولا أعذب منهم بالنار أحداً إلا من قد علمت بعلمي أني لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى أشر مما كان فيه ولم يرجع ولم يتب ويقول الله قد جعلتك حكماً بيني وبين ذريتك قم عند الميزان فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة حتى تعلم أني لا أدخل منهم إلا ظالماً".
واعلم أن الله تعالى يملأ جهنم من الأقوياء كما يملأ الجنة من الضعفاء بدليل قوله عليه السلام :"إذا ملئت جهنم تقول الجنة ملأت جهنم من الجبابرة والملوك والفراعنة ولم تملأني من ضعفاء خلقك فينشىء الله خلقاً عند ذلك فيدخلهم الجنة فطوبى لهم من خلق لم يذوقوا موتاً ولم يروا سوأ بأعينهم" رواه أنس رضي الله عنه.
وقوله عليه السلام :"تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت" أي : فضلت "بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة إني لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطعهم فقال الله للنار أنت عذابي أعذبك من أشاء من عبادك ولكل واحدة منكما ملؤها" رواه أبو هريرة رضي الله عنه كذا في "بحر العلوم".
﴿وَلَوْ شِئْنَا لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاـاهَا وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى لامْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـاذَآ إِنَّا نَسِينَـاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّمَا يُؤْمِنُ بآياتنا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦
﴿فَذُوقُوا﴾ الفاء لترتيب الأمر بالذوق على ما يعرب عنه ما قبله من نفي الرجع إلى الدنيا ﴿بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـاذَآ﴾ النسيان ترك الإنسان ضبط ما استودع إما لضعف قلب وإما عن غفلة أو قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره وكل نسيان من الإنسان ذمه الله به فهو ما كان أصله من تعمد كما في هذه الآية وأشار بالباء إلى أنه وإن سبق القول في حق التعذيب لكنه كان بسبب موجب من جانبهم أيضاً فإن الله قد علم منهم سوء الاختيار وذلك السبب هو نسيانهم لقاء هذا اليوم الهائل وتركهم التفكر فيه والاستعداد له بالكلية بالاشتغال باللذات الدنيوية وشهواتها فإن التوغل فيها يذهل الجن والإنس عن تذكر الآخرة وما فيها من لقاء الله ولقاء جزائه ويسلط عليهم نسيانها وإضافة اللقاء إلى اليوم كإضافة المكر في قوله :﴿بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ (سبأ : ٣٣) أي : لقاء الله في يومكم هذا.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنكم كنتم في الغفلة والنائم لا يذوق ألم ما عليه من العذاب ما دام نائماً ولكنه إذا انتبه من نومه
١١٧
يذوق ألم ما به من العذاب فالناس نيام ليس لهم ذوق ما عليهم من العذاب فإذا ماتوا انتبهوا فقيل لهم : ذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ﴿إِنَّا نَسِينَـاكُمْ﴾ تركناكم في العذاب ترك المنسي بالكلية استهانة بكم ومجازاة لما تركتم.
وفي "التأويلات" :﴿إِنَّا نَسِينَـاكُمْ﴾ من الرحمة كما نسيتمونا من الخدمة ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ﴾ أي : العذاب المخلد في جهنم فهو من إضافة الموصوف إلى صفته مثل عذاب الحريق ﴿بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي : بالذي كنتم تعملونه من الكفر والمعاصي وهو تكرير للأمر للتأكيد وإظهار الغضب عليهم وتعيين المفعول المطوي للذوق والإشعار بأن سببه ليس مجرد ما ذكر من النسيان بل له أسباب أخر من فنون الكفر والمعاصي التي كانوا مستمرين عليها في الدنيا وعن كعب الأحبار قال : إذا كان يوم القيامة تقوم الملائكة فيشفعون ثم تقوم الشهداء فيشفعون ثم تقوم المؤمنون فيشفعون حتى إذا نصرمت الشفاعة كلها خرجت الرحمة فتشفع حتى لا يبقى في النار أحد يعبأ الله به ثم يعظم بكاء أهلها فيها ويؤمر بالباب فيقبض عليهم فلا يدخل فيها روح ولا يخرج منها غم أبداً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦


الصفحة التالية
Icon