يقول الفقير : هذا هو الذي يستدعيه ترتيب الفاء على ما قبلها.
فإن قلت : ما معنى النهي وليس له عليه السلام في ذلك شك أصلاً.
قلت فيه تعريض للكفار بأنهم في شك من لقائه إذ لو لم يكن لهم فيه شك لآمنوا بالقرآن إذ في التوراة وسائر الكتب الإلهية ما يصدق القرآن الشواهد والآيات فإيتاء الكتاب ليس ببدع حتى يرتابوا فيه فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن موسى عليه السلام لما أوتي الكتاب وهو حظ سمعه فلا تشك يا محمد أن يحظى غداً حظ بصره بالرؤية ولكن بشفاعتك وبركة متابعتك واختصاصه في دعائه بقوله : اللهم اجعلني من أمة أحمد فإن الرؤية مخصوصة بك وبأمتك بتبعيتك ﴿وَجَعَلْنَـاهُ﴾ أي : الكتاب الذي آتيناه موسى ﴿هُدًى﴾ من الضلالة، وبالفارسية :(راه نماينده) ﴿لِّبَنِى إِسْرَءِيلَ﴾ لأنه أنزل إليهم وهم متعبدون به دون بني إسماعيل وعليهم يحمل الناس في قوله تعالى :﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَـابَ الَّذِى جَآءَ بِه مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ﴾ (الأنعام : ٩١)
﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ فَلا تَكُن فِى مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآاـاِه وَجَعَلْنَـاهُ هُدًى لِّبَنِى إسرائيل * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَاـاِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بآياتنا يُوقِنُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ﴾ أي : من بني إسرائيل ﴿أَاـاِمَّةً﴾ جمع إمام بمعنى المؤتم والمقتدى به قولاً وفعلاً، وبالفارسية :(يشوا) ﴿يَهْدُونَ﴾ يرشدون الخلق إلى الحق بما في التوراة من الشرائع والأحكام والحكم ﴿بِأَمْرِنَا﴾ إياهم بذلك أو بتوفيقنا لهم ﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾ على الحق في جميع الأمور والأحوال وهي شرط لما فيها من معنى الجزاء نحو أحسنت إليك لما جئتني والتقدير لما صبر الأئمة أي : العلماء من بني إسرائيل على المشاق وطريق الحق جعلناهم أئمة أو هي ظرف بمعنى الحين أي : جعلناهم أئمة حين صبروا ﴿وَكَانُوا بآياتنا﴾ التي في تضاعيف الكتاب ﴿يُوقِنُونَ﴾ لإمعانهم فيها النظر والإيقان (بى كمان شدن) ولا تشك أنها من عندنا كما يشك الكفار من قومك في حق القرآن.
وفيه إشارة إلى أنه كما أن الله تعالى جعل التوراة هدى لبني إسرائيل فاهتدوا بها إلى مصالح الدين والدنيا كذلك جعل القرآن هدى لهذه الأمة المرحومة يهتدون به إلى الشرائع والحقائق وكما أنه جعل من بني إسرائيل قادة أدلاء كذلك جعل من هذه الأمة سادة أجلاء بل رجحهم على الكل بكل كمال فإن الأفضل أولى بإحراز الفضائل كلها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦
قال الشيخ العارف أبو الحسن الشاذلي قدس سره : رأيت النبي صلى الله عليه وسلّم في النوم باهى موسى وعيسى عليهما السلام بالإمام الغزالي قدس سره وقال : أفي أمتكما حبر كذا قالا : لا ورضي الله عن جميع الأولياء والعلماء ونفعنا بهم فانظر ما أشرف علم هذه الأمة وما أَز معرفتهم ولذا يشرفون يوم القيامة بكل حلية.
ـ كما قال بعض الأخيار ـ رأيت الشيخ أبا إسحق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي رحمه الله في النوم بعد وفاته وعليه ثياب بيض وعلى رأسه تاج فقلت له : ما هذا البياض؟ فقال : شرف الطاعة قلت : والتاج قال : عز العلم.
قال بعض الكبار : من عدم الإنصاف عدم إيمان الناس بما جاء به الأنبياء المعصومون وعدم الإيمان بما أتى به الأولياء المحفوظون فإن البحر واحد فمن آمن بما جاء به الأصل من الوحي يجب أن يؤمن بما جاء به
١٢٦
الفرع من الإلهام بجامع الموافقة وقد ثبت أن العلماء ورثة الأنبياء فعلومهم علومهم ففي الاتباع لهم في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم أجر كثير وثواب عظيم ونجعة من المهالك كما قال الحافظ :
يا مردان خدا باش كه دركشتى نوح
هست خاكى كه بآبى نخرد طوفانرا
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ﴾ يقضي ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بين الأنبياء وأممهم المكذبين أو بين المؤمنين والمشركين ﴿يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾ فيميز بين المحق والمبطل (وهريك را مناسب اوجزا دهد) وكلمة هو للتخصيص والتأكيد وإن ذلك الفصل يوم القيامة ليس إلا إليه وحده لا يقدر عليه أحد سواه ولا يفوّض إلى من عداه ﴿فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ من أمور الدين هنا أي : في الدنيا.
قال بعض الكبار : إن الله تعالى تبارك وتعالى يحكم بين عباده لوجوه :
أولها : لعزتهم لأنهم عنده أعز من أن يجعل حكمهم إلى أحد من المخلوقين بل هو بفضله وكرمه يكون حاكماً عليهم.
وثانيها : غيرة عليهم لئلا يطلع على أحوالهم أحد غيره.
وثالثها : رحمة وكرماً فإنه ستار لا يفشى عيوبهم ويستر عن الأغيار ذنوبهم.
ورابعها : لأنه كريم ومن سنة الكرام أنهم إذا مروا باللغو مروا كراماً.