﴿وَيَقُولُونَ﴾ وذلك أن المؤمنين كانوا يقولون لكفار مكة إن لنا يوماً يفتح الله فيه بيننا أي : يحكم ويقضي يريدون يوم القيامة أو إن الله سيفتح لنا على المشركين ويفصل بيننا وبينهم وكان أهل مكة إذا سمعوه يقولون بطريق الاستعجال تكذيباً واستهزاء ﴿مَتَى هَاذَا الْفَتْحُ﴾ أي : في أي : وقت يكون الحكم والفصل أو النصر والظفر ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ في أنه كائن.
﴿قُلْ﴾ تبكيتاً لهم وتحقيقاً للحق لا تستعجلوا ولا تستهزئوا فإن ﴿يَوْمَ الْفَتْحِ﴾ يوم إزالة الشبهة بإقامة القيامة فإن أصله إزالة الإغلاق والإشكال أو يوم الغلبة على الأعداء ﴿لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيَمَانُهُمْ﴾
١٢٩
فاعل لا ينفع والموصول مفعوله ﴿وَلا هُمْ يُنظَرُونَ﴾ يمهلون ويؤخرون فإن الأنظار بالفارسية (زمان دادن) أما إذا كان المراد يوم القيامة فإن الإيمان يومئذٍ لا ينفع الكافر لفوات الوقت ولا يمهل أيضاً في إدراك العذاب ولا في بيان العذر فإنه لا عذر له وأما إذا كان المراد يوم النصرة كيوم بدر فإنه لا ينفع إيمانه حال القتل إذ هو إيمان يأس كإيمان فرعون حين ألجمه الغرق ولا يتوقف في قتله أصلاً والعدول عن تطبيق الجواب على ظاهر سؤالهم للتنبيه على أنه ليس مما ينبغي أن يسأل عنه لكونه أمراً بيناً غنياً عن الأخبار وكذا إيمانهم واستنظارهم يومئذٍ وإنما المحتاج إلى البيان عدم نفع ذلك الإيمان وعدم الإنظار ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ أي : لا تبال بتكذيبهم، وبالفارسية :(س روى بكردان بطريق اهانت از ايشان تامدن معلوم يعني تانزول آية السيف) ﴿وَانتَظِرْ﴾ النصرة عليهم وهلاكهم لصدق وعدي ﴿إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ﴾ الغلبة عليك وحوادث الزمان من موت أو قتل فيستريحوا منك أو إهلاكهم كما في قوله تعالى :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ﴾ (البقرة : ٢١٠) الآية ويقرب منه ما قيل وانتظر عذابنا فإنهم منتظرون فإن استعجالهم المذكور وعكوفهم على ما هم عليه من الكفر والمعاصي في حكم انتظارهم العذاب المترتب عليه لا محالة وقد أنجز الله وعده فنصر عبده وفتح للمؤمنين وحصل أمانيهم أجمعين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦
شكر خداكه هره طلب كردم ازخدا
برمنتهاى همت خود كامران شدم
قال بعضهم :
هركرا اقبال باشد رهنمون
دشمنش كردد بزودى سر نكون
وفي الآية حث على الانتظار والصبر.
قد يدرك المتأنى بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
وإشارة إلى أن أهل الأهواء ينكرون على الأولياء ويستدعون منهم إظهار الكرامات وعرض الفتوحات ولكن إذا فتح الله على قلوب أوليائه لا ينفع الإيمان بفتوحهم زمرة أعدائه إذ لم يقتدوا بهم ولم يهتدوا بهدايتهم فمالهم إلا الحسرات والزفرات فانتظار المقر المقبل لفتوحات الألطاف وانتظار المنكر المدبر لهواجم المقت وخفايا المكر والقهر نعوذ بالله تعالى.
وفي الحديث :"من قرأ الم تنزيل وتبارك الذي بيده الملك أعطى من الأجر كأنما أحيا ليلة القدر" وفي الحديث :"من قرأ الم تنزيل في بيته لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام" كما في "الإرشاد" وفي الحديث :"تجيىء الم تنزيل السجدة يوم القيامة لها جناحان تطاير صاحبها وتقول لا سبيل عليك" كما في "بحر العلوم".
ـ وروي ـ عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان لا ينام حتى يقرأ الم السجدة وتبارك الذي بيده الملك ويقول :"هما تفضلان كل سورة في القرآن بسبعين حسنة فمن قرأهما كتب له سبعون حسنة ومحى عنه سبعون سيئة ورفع له سبعون درجة" وعن أبي هريرة رضي الله عنه كان النبي عليه السلام يقرأ في الفجر يوم الجمعة ألم تنزيل وهل أتى على الإنسان كما في "كشف الأسرار".
ويسن عند الشافعي وأحمد أن يقرأ في فجر يوم الجمعة في الركعة الأولى ألم السجدة وفي الثانية هل أتى على الإنسان وكره أحمد المداومة
١٣٠
عليها لئلا يظن أنها مفضلة بسجدة وعند أبي حنيفة ومالك لا يسن بل كره أبو حنيفة تعيين سورة غير الفاتحة لشيء من الصلوات لما فيه من هجران الباقي كما في "فتح الرحمن".
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر إن من أدب العارف إذا قرأ في صلاته المطلقة أن لا يقصد قراءة سورة معينة أو آية معينة وذلك لأنه لا يدري أين يسلك به ربه من طريق مناجاته فالعارف يقرأ بحسب ما يناجيه به من كلامه وبحسب ما يلقي إليه الحق في خاطره كما في "الكبريت الأحمر" نسأل الله سبحانه أن يجعلنا ممن يقوم بكلامه آناء الليل وأطراف النهار ويتحقق بمعانيه ومناجاته في السر والجهار :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٦


الصفحة التالية
Icon