﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَه وَأَوْرَثَنَا الارْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُا فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الملائكة حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ﴾.
﴿وَتَرَى الملائكة﴾ يا محمد يوم القيامة بعد أن أحياهم الله.
وقال الكاشفي : يعني :(وقتى كه در مقعد صدق ورتبة قرب باشى بينى ملائكة را) ﴿حَآفِّينَ﴾ : محدقين ﴿مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ ؛ أي : حوله.
ومن مزيدة أو لابتداء الحفوف.
يقال : حفوا حوله حفوفاً طافوا به واستداروا.
ومنه الآية ؛ أي : محيطين بأحفة العرش ؛ أي : جوانبه بالفارسية :(حلقه كرفته كرد عرش وطواف كنند كان بجوانب آن).
﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾.
الجملة حال ثانية أو مقيدة للأولى ؛ أي : ينزهونه تعالى عما لا يليق به حال كونهم ملتبسين بحمده ذاكرين له بوصفي جلاله وإكرامه تلذذاً به يعني : يقولون : سبحان الله وبحمده.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨
به تسبيح نفي ناسرا ميكنند ازذات إلهي وبحمد إثبات صفات سزا ميكنند ويرا وفيه اشعار بان اعلى اللذائذ).
هو الاستغراق في شؤون الحق وصفاته.
يقول الفقير : كما أن العرش يطوفه الملائكة مسبحين حامدين.
كذلك الكعبة يطوفها المؤمنون ذاكرين شاكرين، وسر الدوران : أن عالم الوحدة لا قيد فيه ولا جهات كقلب العارف.
١٤٧
ولما كانت الكعبة صورة الذات الأحدية أمر بطوافها ودورانها، فالفرق بين الطواف وبين الصلاة، أن الطواف : إطلاق ظاهراً والصلاة قيد ظاهراً وباطناً، وإطلاق باطناً، وإنما قلنا بكونها قيداً في الظاهر، لأنه لا بد فيها من التقييد بجهة من جهات الكعبة.
﴿وَقُضِىَ بَيْنَهُم﴾ ؛ أي : بين الخلق.
﴿بِالْحَقِّ﴾ بالعدل بإدخال بعضهم النار وبعضهم الجنة، أو بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب تفاضلهم.
وفي "آكام المرجان" : الملائكة، وإن كانوا معصومين جميعاً، فبينهم تفاضل في الثواب حسب تفاضل أعمالهم، وكما أن رسل البشر يفضلون على أفراد الأمة في المراتب.
كذلك رسل الملائكة على سائرهم.
﴿حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا﴾ ؛ أي : على ما قضي بيننا بالحق، وأنزل كلامنا منزلته التي هي حقه.
والقائلون : هم المؤمنون ممن قضي بينهم، أو الملائكة وطي ذكرهم لتعينهم وتعظيمهم.
وفي "التأويلات النجمية" : وقضي بينهم بالحق، يعني : بين الملائكة وبين الأنبياء والأولياء بما أعطى كل فرقة منهم من المراتب والمنازل ما أعطى.
وقيل : يعني : وقال كل فريق منهم الحمدرب العالمين على ما أنعم علينا به.
وقال الكاشفي :(همجنانكه درابتدآى خلق آسمان زمين شتايش خود فرمودكه) الحمد الله الذي خلق السماوات والأرض بوقت استقرار أهل آسمان وزمين درمنازل خويش همان ستايش كرد تادانندكه در فاتحه وخاتمه مستحق حمدوثنا اوست)، يعني : ينبغي أن يحمد في أول كل أمر وخاتمته :
درخور ستايش نبود غير توكس
جامه ثنا بيست ترازيبد وبس
فإذا كان كل شيء يسبح بحمده، فالإنسان أولى بذلك، لأنه أفضل.
قال بعض العارفين :
ثنا كونا ثنا يابى شكر كونا عطايابى
رضاده تارضايابى وراجونا ورايابى
وقال عليه السلام : إذا أنعم الله على عبده نعمة، فيقول العبد الحمد، فيقول : الله انظروا إلى عبدي أعطيته ما قدر له، فأعطاني ما لا قيمة له معناه أن الإنعام أحد الأشياء المعتادة كإطعام الجائع وإرواء العطشان وكسوة العاري.
وقوله : الحمدمعناه : أن كل حمد أتى به أحد، فهو، فيدخل فيه محامد ملائكة العرش والكرسي وأطباق السماء والأنبياء والأولياء، وما سيذكرونه إلى وقت قوله.
وآخر دعواهم أن الحمدرب العالمين، وهي بأسرها متناهية، وما لا نهاية له مما سيأتونها أبد الآباد.
ولذلك قال : أعطيته نعمة واحدة لا قدر لها، فأعطاني من الشكر ما لا حد له.
قال كعب الأحبار : عوالم الله تعالى لا تحصى لقوله تعالى، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ﴾ (المدثر : ٣١)، فهو تعالى مربي الكل بما يناسب لحاله ظاهراً وباطناً نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لحمده على نعمه الظاهرة والباطنة أولاً وآخراً.
تمت سورة الزمر بعون الله الخالق القوي والقدر في يوم السبت السابع والعشرين من شعبان المنتظم في شهور سنة ١١١٢.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦٨


الصفحة التالية
Icon