﴿وَقَالَ مُوسَى﴾ ؛ أي : لقومه حين سمع بما يقوله اللعين من حديث قتله عليه السلام.
﴿إِنِّى عُذْتُ﴾ :(من بناه كرفتم وفرياد وزنهار خواستم).
والعوذ : الالتجاء إلى الغير والتعلق به.
﴿بِرَبِّى وَرَبِّكُم﴾ : خص اسم الرب ؛ لأن المطلوب هو الحفظ والتربية وإضافته إليه وإليهم للحث على موافقته في العياذ به تعالى، والتوكل عليه، فإن في تظاهر النفوس تأثيراً قوياً، وفي استجلاب الإجابة، وهو السبب الأصلي في اجتماع الناس لأداء الصلوات الخمس والجمعة والأعياد والاستسقاء ونحوها.
﴿مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ﴾ متعظم عن الإيمان.
وبالفارسية :(از هر كردن كشى).
ولم يسم فرعون، بل ذكره بوصف يعمه وغيره من جبابرة أركانه وغيرهم لتعميم الاستعاذة والإشعار بعلة القساوة والجراءة على الله، وهي التكبر وما يليه من عدم الإيمان بالبعث.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
يقول الفقير : وأما قول الرازي وتبعه القاضي لم يسم فرعون رعاية لحق التربية التي كانت من فرعون له عليه السلام في صغره، فمدخول بأن موسى عليه السلام قد شافهه باسمه في غير هذا الموضع، كما قال : وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً وهذا أشد من قوله : من فرعون على تقدير التسمية من حيث صدوره مشافهة وصدوره من فرعون مغايبة.
﴿لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ صفة لما قبله عقبه به ؛ لأن طبع المتكبر القاسي وشأنه إبطال الحق وتحقير الخلق لكنه، قد ينزجر إذا كان مقراً بالجزاء وخائفاً من الحساب.
وأما إذا اجتمع التكبر، والتكذيب بالبعث كان أظلم وأطغى، فلا عظيمة إلا ارتكبها، فيكون بالاستعاذة أولى وأحرى.
وسئل الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه ؛ أي ذنب أخوف على سلب الإيمان.
قال : ترك الشكر على الإيمان وترك خوف الخاتمة، وظلم العباد فإن من كان فيه هذه الخصال الثلاث، فالأغلب أن يخرج من الدنيا كافراً إلا من أدركته السعادة.
وفي الخبر :"إن الله تعالى سخر الريح لسليمان عليه السلام، فحملته وقومه على السرير حتى سمعوا كلام أهل السماء، فقال ملك لآخر إلى جنبه : لو علم الله في قلب سليمان مثقال ذرة من كبر لأسفله في الأرض مقدار ما رفعه من الأرض إلى السماء".
وفي الحديث :"ما من أحد إلا وفي رأسه سلسلتان : إحداهما : إلى السماء السابعة، والأخرى إلى الأرض السابعة، فإذا تواضع رفعه الله بالسلسلة التي في السماء السابعة"، وإذا تكبر وضعه الله بالسلسلة التي في الأرض السابعة،
١٧٥
فالمتكبر أياً كان مقهور لا محالة كما يقال : أول ما خلق الله درة بيضاء، فنظر إليها بالهيبة، فذابت وصارت ماء وارتفع زبدها، فخلق منه الأرض، فافتخرت الأرض.
وقالت : من مثلي، فخلق الله الجبال، فجعلها أوتاداً في الأرض، فقهر الأرض بالجبال، فتكبرت الجبال، فخلق الحديد، وقهر الجبال به، فتكبر الحديد فقهره بالنار، فتكبرت النار، فخلق الماء، فقهرها به، فتكبر الماء فخلق السحاب، ففرق الماء في الدنيا، فتكبر السحاب، فخلق الرياح، ففرقت السحاب، فتكبرت الرياح، فخلق الآدمي حتى جعل لنفسه بيتاً وكناً من الحر والبرد والرياح، فتكبر الآدمي، فخلق النوم، فقهره به، فتكبر النوم، فخلق المرض، فقهره به فتكبر المرض، فخلق الموت، فتكبر فقهره بالذبح يوم القيامة، حيث يذبح بين الجنة والنار، كما قال تعالى :﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِىَ الامْرُ﴾ (مريم : ٣٩).
يعني : إذ ذبح الموت فالقاهر فوق الكل هو الله تعالى، كما قال.
﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـاهِرُونَ﴾ (الأعراف : ١٢٧)، ثم إن الكبر من أشد صفات النفس الأمارة، فلا بد من إزالته.
قال المولى الجامي :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
لاف بى كبرى مزن كان از نشان باى مور
درشت تاريك برسنك سيه بنهان ترسب
وزدرون كردن برون آسان مكيرانرا كزان
كوه را كندن بسوزن از زمين آسان ترست
﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ * وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَـانَه أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّىَ﴾.


الصفحة التالية
Icon