﴿تَدْعُونَنِى لاكْفُرَ بِاللَّهِ﴾ بدل والدعاء كالهداية بإلى، واللام.
﴿وَأُشْرِكَ بِه مَا لَيْسَ لِى بِهِ﴾ ؛ أي : بشركته له تعالى في المعبودية.
﴿عِلْمٌ﴾.
والمراد : نفي المعلوم، وهو ربوبية ما يزعمون إياه شريكاً بطريق الكناية، وهو من باب نفي الشيء بنفي لازمه، وفيه إشعار، بأن الألوهية لا بد لها من برهان موجب للعلم بها.
﴿وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ﴾ الذي لم يكن له كفواً أحد، وأما المخلوقات، فبعضها أكفاء بعض.
وأيضاً : إلى القادر على تعذيب المشركين.
﴿الْغَفَّـارِ﴾ لمن تاب ورجع إليه القادر على غفران المذنبين.
﴿لا جَرَمَ﴾ :(هر آينه).
قاله الكاشفي، وقال غيره كلمة لا رد لما دعوه إليه من الكفر والإشراك وجرم فعل ماض بمعنى حق وفاعله قوله تعالى :﴿أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ﴾ ؛ أي : إلى عبادته وإشراكه.
﴿لَيْسَ لَه دَعْوَةٌ فِى الدُّنْيَا وَلا فِى الاخِرَةِ﴾ ؛ أي : حق ووجب عدم دعوة آلهتكم إلى عبادة نفسها أصلاً، ومن حق المعبود أن يدعو الناس إلى عبادته بإرسال الرسل، وإنزال الكتب.
وهذا الشأن منتف عن الأصنام بالكلية ؛ لأنها في الدنيا جمادات لا تستطيع دعاء غيرها.
وفي الآخرة إذا أنشأها الله حيواناً ناطقاً تبرأ من عبدتها، أو المعنى حق وثبت عدم استجابة دعوة لها ؛ أي : ليس لها استجابة دعوة لا في الدنيا بالبقاء، والصحة والغنى ونحوها، ولا في الآخرة بالنجاة ورفعة الدرجات وغيرهما، كما قال تعالى :﴿إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ ()، فكيف تكون الأصنام رباً، وليس لها قدرة على إجابة دعاء الداعين، ومن شأن الرب استجابة الدعوات وقضاء الحاجات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
وقيل : جرم بمعنى كسب وفاعله مستكن فيه ؛ أي : كسب ذلك الدعاء إلى الكفر والإشراك بطلان دعوته ؛ أي : بطلان دعوة المدعو إليه بمعنى ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته ؛ كأنه قيل : أنكم تزعمون أن دعاءكم إلى الإشراك يبعثني على الإقبال عليه، وأنه سبب الإعراض وظهور بطلانه.
وقيل : جرم فعل من الجرم، وهو القطع كما أن بد من لا بد فعل من التبديد.
والمعنى : لا قطع لبطلان ألوهية الأصنام ؛ أي : لا ينقطع في وقت ما فينقلب حقاً، فيكون جرم اسم لا مبنياً على الفتح لا فعلاً ماضياً، كما هو على الوجهين الأولين.
وفي "القاموس" : لا جرم ؛ أي : لا بد أو حقاً أو لا محالة، أو هذا أصله، ثم كثر حتى تحول إلى معنى القسم، فذلك يجاب عنه باللام.
يقال : لا جرم لآتينك.
﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَآ﴾ مرجعنا ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ ؛ أي : بالموت ومفارقة الأرواح.
(الأجساد ومارا جزا خواهد داد)، وهو عطف على أن ما تدعونني داخل في حكمه، وكذا قوله تعالى :﴿وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ﴾ ؛ أي : في الضلال والطغيان كالإشراك وسفك الدماء.
﴿هُمْ أَصْحَـابُ النَّارِ﴾ ؛ أي : ملازموها.
﴿لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَه دَعْوَةٌ فِى الدُّنْيَا وَلا فِى الاخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَـابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّه إِنَّ اللَّهَ بَصِيرُا بِالْعِبَادِ * فَوَقَـاـاهُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِـاَالِ فِرْعَوْنَ سُواءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾.
﴿فَسَتَذْكُرُونَ﴾ ؛ أي : فسيذكر بعضكم بعضاً عند معاينة العذاب.
﴿مَآ أَقُولُ لَكُمْ﴾ من النصائح، ولكن لا ينفعكم الذكر حينئذ.
١٨٧
﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ﴾ : أرده إليه ليعصمني من كل سوء قاله لما أنهم كانوا توعدوه بالقتل.
قال في "القاموس" : فوض إليه الأمر رده إليه، انتهى.
وحقيقة التفويض تعطيل الإرادة في تدبير الله تعالى كما في "عين المعاني"، وكمال التفويض أن لا يرى لنفسه ولا للخلق جميعاً قدرة على النفع والضر، كما في "عرائس البقلي".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨
قال بعضهم : التفويض قبل نزول القضاء والتسليم بعد نزوله.
﴿إِنَّ اللَّهَ بَصِيرُا بِالْعِبَادِ﴾ يعلم المحق من المبطل، فيحرس من يلوذ به من المكاره، ويتوكل عليه.
وفي "كشف الأسرار" : معنى تفويض :(كار باخداوندكار كذا شتن اسن درسه جيز دردين ودر قسم ودر حساب خلق اما تفويض دردين آنست كه بتكلف خود در هرجه الله ساخته نياميزى وجنانكه ساخته وى ميكردد با آن ميسازى وتفويض در قسم آنست كه بهانة دعا باحكم او معارضه نكنى وباستقصاى طلب تعيين خودرا متهم نكنى وتفويض در حساب آنست كه اكر ايشانرا بدى بينى آنرا شقاوت نشمرى وبترسى واكر برنيكى بينى آنرا سعادت نشمرى واميد دارى وبر ظاهر هر كس فرو آيى وبصدق ايشانرا مطالبت نكنى).