﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَا إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ * وَلَوْ جَعَلْنَـاهُ قُرْءَانًا أعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ ءَايَـاتُه ا ءَا عْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّا قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى وَشِفَآءٌا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوالَـائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانا بَعِيدٍ * وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ فَاخْتُلِفَ فِيه وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ﴾.
﴿وَلَوْ جَعَلْنَـاهُ﴾ ؛ أي : الذكر.
﴿قُرْءَانًا أعْجَمِيًّا﴾ منتظماً على لغة العجم مؤلفاً عليها والأعجمي في الأصل يقال : لذات من لايفصح عن مراده بلغة لسانه، وإن كان من العرب ولكلامه الملتبس الذي لا يوضح المعنى المقصود أطلق ها هنا على كلام مؤلف على لغة العجم بطريق الاستعارة تشبيهاً له بكلام من لا يفصح من حيث أنه لا يفهم معناه بالنسبة إلى العرب.
وهذا جواب لقول قريش تعنتاً هلا أنزل القرآن بلغة العجم.
يعني :(قرآن جرا بلعت عجم فروا نيامد).
﴿لَّقَالُوا﴾ :(هرآينه ميكفتند كفار قريش).
﴿لَوْلا﴾ : حرف تحضيض بمعنى هلا و حرف التحضيض إذا دخل على الماضي كان معناه اللوم والتوبيخ على ترك الفعل، فهو في الماضي بمعنى الإنكار.
﴿فُصِّلَتْ ءَايَـاتُه﴾ ؛ أي : بينت بلسان نفقهه من غير ترجمان عجمي، وهو من كان منسوباً إلى أمة العجم فصيحاً كان، أو غير فصيح.
﴿ءَا عْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ﴾ إنكار مقرر للتحضيض.
فالهمزة الأولى : همزة الاستفهام المعنى بها الإنكار.
والأعجمي كلام لا يفهم معناه ولغة العجم كذلك بالنسبة إلى العرب كما أشير إليه آنفاً.
والياء ليست للنسبة الحقيقة، بل للمبالغة في الوصف كالأحمري.
والمعنى : لأنكروا وقالوا : كلام أو قرآن أعجمي ورسول أم مرسل إليه عربي ؛ أي : لقالوا : كيف أرسل الكلام العجمي إلى القوم العرب، فكان ذلك أشد لتكذيبهم على أن الإقرار مع كون المرسل إليهم أمة جمة لما أن المراد بيان التنافي.
والتنافي بين الكلام وبين المخاطب به لا بيان كون المخاطب واحداً، أو جمعاً.
وقرأ هشام أعجمي على الإجبار لا على الاستفهام والإنشاء ؛ أي : بهمزة واحدة هي في أصل الكلمة، فالتفصيل يجوز أن يكون بمعنى التفريق والتمييز، لا بمعنى التبيين كما في القراءة الأولى.
فالمعنى : ولو جعلنا المنزل كله أعجمياً لقالوا : لولا فرقت آياته وميزت بأن جعل بعضها أعجمياً لإفهام العجم وبعضها عربياً لإفهام العرب أعجمي وعربي.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
والمقصود بيان أن آيات الله على أي وجه جاءتهم وجدوا فيها متعنتاً يتعللون به ؛ لأن القوم غير طالبين للحق، وإنما يتبعون أهواءهم :
در جشم اين سياه دلان صبح كاذبست
درر وشنى اكر يد بيضا شود كسى
وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى إزاحة العلة لمن أراد أن يعرف صدق الدعوة وصحة
٢٧٢
الشريعة، فإنه لا نهاية للتعليل بمثل هذه التعلللات ؛ لأنه تعالى لو جعل القرآن أعجمياً وعربياً، لقالوا لولا جعله عبرانياً وسريانياً.
﴿قُلْ هُوَ﴾ ؛ أي : الذكر.
﴿هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ يهديهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
﴿وَشِفَآءٌ﴾ لما في الصدور من شك وشبهة أو شفاء، حيث استراحوا به من كد الفكرة وتحير الخواطر، أو شفاء لضيق صدور المريدين لما فيه من التنعم بقراءته، والتلذذ بالتفكر فيه، أو شفاء لقلوب المحبين من لواعج الاشتياق لما فيه من لطائف المواعيد، أو شفاء لقلوب العارفين لما يتولى عليها من أنوار التحقيق، وآثار خطاب الرب العزيز.
﴿وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ : مبتدأ خبره قوله :﴿وَلَوْ جَعَلْنَـاهُ قُرْءَانًا﴾ ؛ أي : ثقل وصمم على أن التقدير هو أي القرآن في آذانهم وقر على أن وقر الخبر للضمير المقدر، وفي آذانهم متعلق بمحذوف وقع حالاً لوقر لبيان محل الوقر، وهو أوفق لقوله تعالى :﴿وَهُوَ﴾ ؛ أي : القرآن ﴿عَلَيْهِمُ﴾ ؛ أي : على الكفار المعاندين ﴿عَمًى﴾، وذلك لتصاممهم عن سماعه وتعاميهم عما يريهم من الآيات، وهو بفتح الميم المنونة ؛ أي : ذوي عمى على معنى عميت قلوبهم عنه، وهو مصدر عمى يعمى كعلم.


الصفحة التالية
Icon