وجمعى ضمير را عائد بآدميان دارند يعني بنمايم مردمانرا دلائل آفاقى وآيات أنفسى).
فعبارة الآية مقام التوحيد وإشارتها مقام التجريد والتفريد وظهور الحق في مظاهر الآفاق والأنفس وتبينه بآيات توحيده المرئية فيهما توحيد واستقطاع التوحيد الموحد عن الالتفات إلى الآفاق تجريد، وعن النظر إلى الأنفس تفريد، لكن هذا التوحيد والتجريد والتفريد كوني لا إلهي ؛ لأنه باعتبار ظهور الحق في المظاهر الكونية دون الإلهية، ففوقها توحيد وتجريد وتفريد إلهي باعتبار ظهور الحق في مظاهر الإلهية من مراتب التعينات الذاتية والاسمائية والصفاتية والافعالية والكوني من الإلهي بمنزلة الظاهر من الباطن فمرتبة التعين ذاتياً أولاً وصفاتياً ثانياً، وإفعالياً ثالثاً مرتبة التوحيد، ومرتبة اللاتعين الذي فوق التعين مطلقاً مرتبة التجريد ومرتبة الجامعية بين المرتبتين : مرتبة التفريد إذ الفرد الحقيقي الأولي جمعية المراتب الثلاث مطلقاً، وجميع العلوم والأعمال والآثار جمالية، أو جلالية شؤونات ذاتية مستجنة في غيب الذات أولاً وصور وأعيان علمية ثاتبة في عرصة العلم ثانياً، وحقائق موجودات عينية متحققة في عرصة العين.
ولهذا التحقق العيني، والوجود الخارجي خلق الله الأنفس والآفاق والسماوات والأرضين والملأ الأعلى والأسفل، حتى يكون المعلوم مرئياً ومشاهداً ويتم الأمر الإلهي الجمالي والجلالي والكمالي ويكمل مطلقاً بالوجود العيني الخارجي حكمه الأزلي الأبدي جلاء واستجلاء (سر بحربى كرانراموج بر صحرا نهاد.
كنج مخفي آكشارا شد نهان آمد بديد).
﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ﴾ استئناف وارد لتوبيخهم على ترددهم في شأن القرآن وعنادهم المحوج إلى إراءة الآيات وعدم اكتفائهم بإخباره تعالى، والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام والباء مزيدة للتأكيد ؛ أي : ألم يغن، ولم يكف ربك ﴿أَنَّه عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾ بدل منه ؛ أي : ألم يغنهم عن إراءة الآيات الموعودة المبينة لحقية القرآن، ولم يكفهم في ذلك أنه تعالى شهيد على جميع الأشياء.
وقد أخبر بأنه من عنده، فعدم الكفاية معتبر بالنسبة إليهم كما يصرحه قوله تعالى :﴿إِلا﴾ كلمة تنبيه ﴿إِنَّهُمْ﴾ ؛ أي : كفار مكة.
﴿فِى مِرْيَةٍ﴾ شك عظيم وشبهة شديدة.
﴿مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ﴾ بالبعث والجزاء، فإنهم استبعدوا إحياء الموتى بعد ما تفرقت أجزاؤهم، وتبددت أعضاؤهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥
وفيه إشارة إلى أن الشك أحاط بجميع جوانبهم إحاطة الظرف بالمظروف لا خلاص لهم منه وهم مستمرون دائمون فيه.
﴿أَلا إِنَّه بِكُلِّ شَىْءٍ مُّحِيطُ﴾.
الإحاطة : إدراك الشيء بكماله ؛ أي : عالم بجميع الأشياء جملها وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها، فلا يخفى عليه خافية منهم، وهو مجازيهم على كفرهم ومريتهم لا محالة، ومرجع تأكيد العلم إلى تأكيد الوعيد :
علم بى جهل وقدرت بى عجز
خاص مر حضرت الهى راست
٢٨٣
هرجه بايد در أنفس وآفاق
كنداز حكم بادشاهى راست
وإحاطة الله سبحانه وتعالى عند العارفين بالموجودات كلها عبارة عن تجليه بصور الموجودات، فهو سبحانه بأحدية جميع أسمائه سار في الموجودات كلها ذاتاً، وحياة وعلماً وقدرة إلى غير ذلك من الصفات.
والمراد بإحاطته تعالى هذه السراية، ولا يعزب عنه ذرة في السماوات والأرض، وكل ما يعزب يلحق بالعدم، وقالوا : هذه الإحاطة ليست كإحاطة الظرف بالمظروف، ولا كإحاطة الكل بأجزائه، ولا كإحاطة الكلي بحزئياته، بل كإحاظة الملزوم بلازمه، فإن التعيينات اللاحقة لذاته المطلقة، إنما هي لوازم له بواسطة، أو بغير واسطة، وبشرط، أو بغير شرط، ولا تقدح كثرة اللوازم في وحدة الملزوم، ولا ينافيها.
والله أعلم بالحقائق.
واعلم أن الأشياء كلها قد اتفقت على الشهادة بوحدة خالقها وأنه مظهرها من كتم العدم، والمظهر لا يفارق المظهر في معرفة أرباب البصائر، فسبحان من هو عند كل شيء، ومعه وقبله، ومن ها هنا.
قال بعضهم : ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله معه.
وقال بعضهم : ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله بعده.
وقال بعضهم : ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله، فمنهم من يرى الأشياء به، ومنهم من يراه بالأشياء، وإلى الأول الإشارة بقوله : أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد، وإلى الثاني بقوله : سنريهم آياتنا في الآفاق.
فالأول : صاحب مشاهدة ودرجة الصديقين.
والثاني : صاحب استدلال ودرجة العلماء الراسخين فما بعدها إلا درجة الغافلين المحجوبين.
وفي الآيات إشارات منها : أن الخلق لا يرون الآيات إلا بإراءة الله إياهم.
ومنها : أن الله تعالى خلق الآفاق ونفس الإنسان مظهر آياته.
ومنها : أنه ليس للآفاق شعور على الآيات وعلى مظهريتها للآيات بخلاف الإنسان.
ومنها : أن نفس الإنسان مرآة مستعدة لمظهرية جميع آيات الله ومظهريتها بإراءة الحق تعالى بحيث يتبين له أنه الحق، ويبين لغيره أنه الحق.
ومنها : أن العوام يتبين لهم باختلاف الليل والنهار والأحداث التي تجري في أحوال العالم واختلاف الأحوال التي تجري عليهم من الطفولة إلى الشيخوخة، واختلاف أحكام الأعيان مع اختلاف جواهرها في التجانس.
وهذه هي آيات حدوث العالم، واقتفاء المحدث بصفاته.
ومنها : أن الخواص يتبين لهم ببصائر قلوبهم من شواهد الحق واختلاف الأحوال في القبض والبسط والجمع والفرق والحجب والجذب والستر والتجلي والكشوف والبراهين وأنوار الغيب، وما يجدونه من حقائق معاملاتهم بإراءة الحق تعالى.
ومنها : أن أخص الخواص يتبين لهم بالخروج من ظلمات حجب الإنسانية إلى نور الحضرة الربانية بتجلي صفات الجمال والحلال وكشف القناع الحقيقي عن العين والعيان، ولهذا قال : أولم يكف بربك ؛ أي : بإراءة آياته وتعريف ذاته وصفاته بكشف القناع ورفع الأستار أنه على كل شيء شهيد لا يغيب عن قدرته شيء بقوله ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم يشير إلى أن أهل الصورة لفي شك من تجويز ما يكاشف به أهل الحقيقة من أنواع المشاهدات والمعاينات ألا إنه بكل شيء محيط، وهو قادر على التجلي لكل شيء كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم "إذا تجلى الله لشيء خضع له"
تمت سورة حم السجدة في العشر العاشر من العشر الأول من صفر الخير من سنة ثلاث عشرة ومائة وألف.
٢٨٤
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٥