جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿وَكَذَالِكَ﴾ ؛ أي : مثل ذلك الإيحاء البديع،
٣٤٦
أو كما أوحينا إلى سائر رسلنا.
﴿أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا﴾ : هو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة طيبة ؛ أي : يحصل لها به ما هو مثل الحياة، وهو العلم النافع المزيل للجهل الذي هو كالموت.
وقال الراغب سمي القرآن روحاً لكونه سبباً للحياة الأخروية الموصوفة في قوله :﴿وَإِنَّ الدَّارَ الاخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ﴾ (العنكبوت : ٦٤).
ومعنى من أمرنا.
بالفارسية :(بفرمان ما او).
روحاً ناشئاً ومبتدأ من أمرنا، وقد سبق في ﴿حم﴾ المؤمن.
وقيل : هو جبرائيل، ومعنى إيحائه إليه عليه السلام إرساله إليه بالوحي، فإن قلت : كيف علم الرسول عليه السلام في أول الأمر أن الذي تجلى له جبرائيل، وأن الذي سمعه كلام الله تعالى.
قلت : خلق الله تعالى له علماً ضرورياً علم به ذلك، والعلم الضروري يوجب الإيمان الحقيقي، ويتولد من ذلك اليقين والخشية، فإن الخشية على قدر المعرفة.
﴿مَا كُنتَ تَدْرِى﴾ قبل الوحي في أربعين سنة والمراد وحي النبوة.
﴿مَا الْكِتَابُ﴾ ؛ أي : أي شيء هو، يعني :(جون قرآن منزل نبود ندانستى آنراه).
والنفي معلق للفعل عن العمل وما بعده ساد مسد المفعولين ومحل ما كنت.
إلخ.
حال من كاف إليك، كما في "تفسير الكواشي".
﴿وَلا الايمَانُ﴾ ؛ أي : الإيمان بتفاصيل ما في تضاعيف الكتاب من الأمور التي لا تهتدي إليها العقول لا الإيمان بما يستقل به العقل والنظر، فإن درايته عليه السلام له مما لا ريب فيه قطعاً، فإن أهل الوصول اجتمعوا على أن الرسل عليهم السلام، وكانوا مؤمنين قبل الوحي ومعصومين من الكبائر ومن الصغائر الموجبة لنفرة الناس عنهم قبل البعثة وبعدها فضلاً عن الكفر، وهو مراد من قال : لا يعرف القرآن قبل الوحي ولا شرائع الإيمان ومعالمه، وهي إيمان كما قال تعالى :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ (البقرة : ١٤٣) ؛ أي : صلاتكم سماها إيماناً ؛ لأنها من شعب الإيمان، ويدل عليه أنه عليه السلام قيل له : هل عبدت وثناً قط قال : لا قيل : هل شربت خمراً قط.
قال : لا وما زلت أعرف أن الذين هم عليه كفر، وما كنت أدري ما الكتاب؟ ولا الإيمان ؛ أي : الإيمان الشرعي المتعلق بتفاصيل الأحكام.
ولذلك أنزل في الكتاب :﴿مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلا الايمَانُ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
قال ابن قتيبة : لم تزل العرب على بقايا من دين إسماعيل من الحج والختان والنكاح وإيقاع الطلاق والغسل من الجنابة، وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والمصاهرة.
وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على ما كانوا عليه في مثل هذه الشرائع، وكان يوحد ويبغض اللات والعزى ويحج ويعتمر ويتبع شريعة إبراهيم عليه السلام، ويتعبد بها حتى جاءه الوحي وجاءته الرسالة، فقول البيضاوي.
وهو دليل على أنه لم يكن متعبداً قبل النبوة بشرع ممنوع، فإن عدم الدراية لا يلزمه عدم التعبد بل يلزمه سقوط الإثم إن لم يكن تقصير، فالحق أن المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع.
وقال بعضهم : هذا تخصيص بالوقت، يعني : كان هذا قبل البلوغ حين كان طفلاً، وفي المهد ما كان يعرف الإيمان، وهو ضعيف ؛ لأنه عليه السلام أفضل من يحيى وعيسى عليهما السلام، وقد أوتي كل الحكم والعلم صبياً.
وقال بعضهم : هو من باب حذف المضاف ؛ أي : ولا أهل الإيمان، يعني : من الذي يؤمن ومن الذي لا يؤمن قبل أن يظهر إيمان من آمن وكفر من كفر، كما قال ابن الفضل أهله ؛ لأنه ظن أن أبا طالب يؤمن كما قال عليه السلام :"أردنا إسلام أبي طالب، وأراد الله إسلام العباس، فكان ما أراد الله دون ما أردنا"،
٣٤٧
وهو ضعيف أيضاً ؛ لأنه عليه السلام : لا يدري بعد الوحي أيضاً جميع من يؤمن، ومن يصر إلى آخر العمر.
﴿وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ﴾ ؛ أي : الروح الذي أوحينا إليك والجعل بمعنى : التصيير لا بمعنى الخلق وحقيقته أنزلناه.
﴿نُورًا نَّهْدِى بِه مَن نَّشَآءُ﴾ هدايته بالتوفيق للقبول والنظر فيه.
﴿مِنْ عِبَادِنَا﴾، وهو الذي يصرف اختياره نحو الاهتداء به.
﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِى﴾ : تقرير لهدايته تعالى وبيان لكيفيتها ومفعول لتهدي محذوف ثقة بغاية الظهور ؛ أي : وإنك لتهدي بهذا النور وترشد من نشاء هدايته.
﴿إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ هو الإسلام وسائر الشرائع والأحكام والصراط من السبيل ما لا التواء فيه ؛ أي : لا اعوجاج، بل يكون على سبيل القصد.
﴿صِرَاطِ اللَّهِ﴾ بدل من الأول.
﴿الَّذِى لَه مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ﴾ خلقاً وملكاً وإضافة الصراط إلى الاسم الجليل ووصفه بالذي.
إلخ لتفخيم شأنه وتقرير استقامته وتأكيد وجوب سلوكه، فإن كون جميع ما فيهما من الموجودات له تعالى خلقاً وملكاً وتصرفاً مما يوجب ذلك أتم إيجاب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
قال بعضهم : دعونا أقواماً في الأزل، فأجابوا، فأنت تهديهم إلينا وتدلهم علينا، وإنما كان عليه السلام هادياً ؛ لأنه نور كالقرآن ولمناسبة نوره مع نور الإيمان والقرآن.
قيل : كان خلقه القرآن :
أي نور إلهي زجبين توهويدا
سر ازل از نور جمالت شده بيدا
﴿إِلا﴾ كلمة تذكرة لتبصرة أو تنبيه لحجة وبالفارسية بدانيدكه لا إلى غيره.
﴿تَصِيرُ الامُورُ﴾ ؛ أي : أمور ما فيهما قاطبة بارتفاع الوسائط والتعلقات.
يعني : يوم القيامة، فيحمل تصير على معنى الاستقبال، ففيه من الوعد للمهتدين إلى الصراط المستقيم والوعد للضالين عنه ما لا يخفى.
وقال في "بحر العلوم" إلى الله تصير أمور الخلائق كلها في الدنيا والآخرة، فلا يدبرها إلا هو حيث لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وتقديره (ونزد محققان باز كشت همه امور درهمه اوقات وأحوال بحضرت اوست وبارتفاع حجب ووسائط مشاهده اين معنى دست دهد.
صورت كثرت حجب وحدتست.
غيبت ما مانع نور حضور.
ديده دل باز كشاويبين، سر إلى الله تصير الأمور).
وذلك لأن الله مبدأ كل ومرجعه ومصيره إما بالفناء الاختياري، أو بالفناء الاضطراري.
(يكبار حسن بصري رحمه الله بجنازة رفت جون مرده اردر كور نهادند وخاك راست كردند حسن برسرآن خاك نشست وجندان بدان كريست خاك كل شد بس كفت اي مردمان أول آخر بحدست آخر دنيا نكرى كورست واول اخرت نكرى كورست كه القبر منزل من منازل الآخرة جه مى نازيد بعالمى كه آخرش اينست يعني : كور وجون نمى ترسيد از عالمى كه او لش اينست يعني : كور جون اول آخرش اينست اى أهل غفلت كار اول وآخر بسازيد.
شب كور خواهى منور جو روز.
ازبنجا جراغ عمل برفروز.
برآن خورد سعدي كه بينجى نشاند.
كسى برد خر من كه نخمى فشاند).
وعن سهل بن أبي الجعد : احترق مصحف، فلم يبق إلا قوله تعالى :﴿أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الامُورُ﴾ (الشورى : ٥٣) وغرق مصحف فانمحى كل شيء إلا ذلك كذا في "عين المعاني" للسجاوندي.
تمت سورة الشورى في أواخر شهر ربيع الآخر المنتظم في شهور سنة ثلاثة عشرة مائة وألف سورة الزخرف تسع وثمانون آية مكية.
٣٤٨
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥