وفي الآية إشارة إلى أن الإنسان لو أطاع الله تعالى لأنعم الله عليه بأن جعله متخلقاً بأخلاق الملائكة ليكون خليفة الله في الأرض بهذه الأخلاق ليستعد بها إلى أن يتخلق بأخلاق الله، فأنها حقيقة الخلافة.
حكي : أن هاروت وماروت لما أنكرا على ذرية آدم اتباع الهوى والظلم والقتل والفساد.
وقالا : لو كنا بدلاً منهم خلفاء الأرض ما نفعل مثل ما يفعلون، فالله تعالى أنزلهما إلى الأرض وخلع عليهما لباس البشرية، وأمرهما أن يحكما بين الناس بالحق، ونهاهما عن المناهي، فصدر عنهما ما صدر فثبت أن الإنسان مخصوص بالخلافة، وقبول فيضان نور الله، فلو كان للملائكة هذه الخصوصية لم يفتتنا بالأوصاف المذمومة الحيوانية السبعية، كما أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من مثل هذه الآفات والأخلاق، وإن كانت لازمة لصفاتهم البشرية، ولكن بنور التجلي تنور مصباح قلوبهم، واستتار بنور قلوبهم جميع مشكاة جسدهم ظاهراً وباطناً، وأشرقت الأرض بنور ربها، فلم يبق لظلمات هذه الصفات مجال الظهور مع استعلاء النور، وبهذا التجلي المخصوص بالإنسان يتخلق الإنسان بالأخلاق الإلهية، فيكون فوق الملائكة، ثم إن الإنسان وإن لم يتولد منه الملائكة ظاهراً، لكنه قد تولدت منه باطناً على وجهين :
أحدهما : أن الله تعالى خلق من أنفاسه الطيبة وأذكاره الشريفة وأعماله الصالحة ملائكة، كما روي عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركوع قال :"سمع الله لمن حمده"، فقال رجل وراءه : ربنا لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
فلما انصرف، قال :"من المتكلم آنفاً؟"، قال الرجل : أنا.
قال :"لقد رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتب أولاً وسره هو أن مجموع حروف هذه الكلمات الذي ذكره الرجل وراء النبي عليه السلام : ثلاثة وثلاثون حرفاً، لكل حرف روح
٣٨٣
هوالمثبت هل والمبقي لصورة ما وقع النطق به، فبالأرواح الصور تبقى وبنيات العمال، وتوجهات نفوسهم ومتعلقات هممهم التابعة لعلومهم واعتقاداتهم، ترتفع حيث منتهى همه العامل :
هركسى ازهمت والآى خويش
سود برد درخور كالاى خويش
والثاني : أن الإنسان الكامل قد تتولد منه الأولاد المعنوية التي هي كالملائكة في المشرب والأخلاق، بل فوقهم، فإن استعداد الإنسان أقوى من استعداد الملك.
وهؤلاء الأولاد يخلفونه متسلسلين إلى آخر الزمان بأن يتصل النفس النفيس من بعضهم إلى بعض إلى آخر الزمان، وهي السلسلة المعنوية، كما يتصل به النطفة من بعض الناس إلى بعض إلى قيام الساعة.
وهي السلسلة الصورية، وكما أن عالم الصورة باق ببقاء أهله وتسلسله، فكذا عالم المعنى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائكَةً فِى الارْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّه لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِا هَـاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَـانُا إِنَّه لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.
﴿وَإِنَّهُ﴾ ؛ أي : وأن عيسى عليه السلام بنزوله في آخر الزمان ﴿لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ﴾ شرط من أشراطها، يعلم به قربها وتسميته علماً لحصوله به، فهي على المبالغة في كونه مما يعلم به، فكأنه نفس العلم بقربها، أو أن حدوثه بغير أب أو إحيائه الموتى دليل على صحة البعث الذي هو معظم ما ينكره الكفرة من الأمور الواقعة في الساعة.
وفي الحديث :"إن عيسى ينزل على ثنية بالأرض المقدسة يقال لها : أفيق، وهو كأمير قرية بين حوران والغور.
وعليه ممصرتان يعني : ثوبين مصبوغين بالأحمر، فإن المصر الطين الأحمر، والممصر المصبوغ به، كما في "القاموس".
وشعر رأسه دهين وبيده حربة وبها يقتل الدجال، فيأتي بيت المقدس.
والناس في صلاة الصبح.
وفي رواية : في صلاة العصر.
فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد عليه السلام، ثم يقتل الخنازير، ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به.
وفي الحديث :"الأنبياء أولاد علات، وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم، ليس بيني وبيه نبي، وإنه أول ما ينزل يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويقاتل على الإسلام ويخرب البيع والكنائس".
وفي الحديث :"ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً وعدلاً، يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام".
دل آخر الحديث على أن المراد بوضع الجزية : تركها ورفعها عن الكفار بأن لا يقبل إلا الإسلام.
صرح بذلك النووي.
ولعل المراد بالكسر والقتل المذكورين ليس حقيقتهما، بل إزالة آثار الشرك عن الأرض.
وفي "صحيح مسلم" : فبينما هو يعني المسيح الدجال إذ بعث الله المسيح بن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء بشرقي دمشق بين مهرودتين يعني : ثوبين مصبوغين بالهرد بالضم، وهو طين أحمر واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر.
يعني :
جون سردربيش افكند قطرات ازرويش ريزان كردد


الصفحة التالية
Icon