قال ذو النون رحمه الله : سمعت بعض المتعبدين بساحل الشام يقول : إنعباداً عرفوه بيقين من معرفته فشمروا قصداً إليه وتحملوا فيه المصائب لما يرجون عنده من الرغائب صحبوا الدنيا بالأشجان، وتنعموا فيها بطول الأحزان، فما نظروا إليها بعين راغب، ولا تزودوا منها إلا كزاد راكب خافوا البيات فأسرعوا ورجوا النجاة، فأزمعوا بذلوا مهج أنفسهم في رضا سيدهم، نصبوا الآخرة نصب أعينهم، وأصغوا إليها بآذان قلوبهم، فلو رأيتهم لرأيت قوماً ذبلاً شفاههم خمصاً بطونهم خزينة قلوبهم ناحلة أجسادهم باكية أعينهم لم يصحبوا التعليل والتسويف، وقنعوا من الدنيا بقوت خفيف ولبسوا من اللباس أطماراً بالية، وسكنوا من البلاد قفراء خالية هربوا من الأوطان، واستبدلوا الوحدة من الإخوان، فلو رأيتهم لرأيت قوماً قد ذبحهم الليل بسكاكين السهر والنصب وفصل أعضاءهم بخناجر التعب خمص بطول السرى شعث بفقد الكرى قد وصلوا الكلال بالكلال، وتأهبوا للنقلة والارتحال :
جواز جايكان در دويدن كرو
بتيزى هم افتان وحيزان برو
كران باد بايان برفتندتيز
توبى دست وبا ازنشستن بخيز
تمت سورة الزخرف بعون الله تعالى في أواخر جمادى الآخرة من الشهور المنتظمة في سلك سنة ثلاث عشرة ومائة وألف.
وتليها سورة الدخان، وهي سبع أو تسع وخمسون آية مكية إلا قوله : إنا كاشفوا العذاب إلخ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
نقش بى دست خامه زن كه شنيد
هركه شد زآدمى سوى تعطيل
نيست دروى خرد جوقدر فتيل
﴿وَقِيلِهِ﴾ : القول والقيل والقال كلها مصادر قرأ عاصم وحمزة بالجر على أنه عطف على الساعة ؛ أي : عنده علم الساعة وعلم قوله عليه السلام شكاية.
وبالفارسية :(ونزديك خداست دانستن قول رسول آنجا كه كفت).
يا رَبِّ} ؛ أي :(برورد كار من).
﴿إِنَّ هَاؤُلاءِ﴾ :(بدرستى كه اين كروه يعنى معاند ان قريش).
﴿قَوْمٌ﴾ :(كروهى اندكه از روى عناد مكابره).
﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ :(نمى كروند).
ولم يضفهم إلى نفسه بأن يقول : إن قومي لما ساءه من حالهم، أو على أن الواو للقسم.
وقوله : إن هؤلاء إلخ.
جوابه : فيكون إخباراً من الله عنهم لا من كلام رسوله.
وفي الإقسام به من رفع شأنه عليه السلام وتفخيم دعائه والتجائه إليه تعالى ما لا يخفى.
وقرأ الباقون بالنصب عطفاً على محل الساعة ؛ أي : وعنده أن يعلم الساعة وقيله أو على سرهم ونجواهم، أو على يكتبون المحذوف ؛ أي : يكتبون ذلك، وقيله.
قال بعضهم : والأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه، يعني أن الجر على إضمار حرف القسم، كما في قولك : الله لأفعلن.
والنصب على حذفه، وإيصال فعله إليه كقولك الله لأفعلن ؛ كأنه قيل : وأقسم قيله أو بقيله.
والفرق بين الحذف والإضمار أنه في الحذف لا يبقى للذاهب أثر نحو واسأل القرية.
وفي الإضمار يبقى له الأثر نحو انتهوا خيراً لكم.
والتقدير : افعلوا ويجوز الرفع في قيله على أنه قسم مرفوع بالابتداء محذوف الخبر كقولهم يمن الله، ويكون أن هؤلاء.
إلخ.
جواب القسم ؛ أي : وقيله يا رب قسمي أن هؤلاء.
إلخ.
وذلك لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، بما لا يحسن اعتراضاً إن كان مرفوعاً معطوفاً على علم الساعة بتقدير مضاف مع تنافر النظم ورجح الزمخشري احتمال القسم لسلامته عن وقوع الفصل، وتنافر النظم، ولكن فيه التزام حذف وإضمار بلا قرينة ظاهرة في اللفظ الذي لم يشتهر استعماله في القسم، كما في "حواشي المفتي".
﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ﴾ ؛ أي : فأعرض عن
٣٩٩
دعوتهم واقنط من إيمانهم.
﴿وَقُلْ سَلَامٌ﴾ ؛ أي : أمري تسلم منكم ومن دينكم وتبرٍ ومتاركة، فليس المأمور به السلام عليهم، والتحية بل البراءة كقول إبراهيم عليه السلام : سلام عليك سأستغفر لك.
﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ حالهم البتة، وإن تأخر ذلك.
وبالفارسية :(بس زود باشدكه بدانند عاقبت كفر خودرا وقتى كه عذاب برايشان فرود أيددر دنيا بروز بدر ودر عقبى بدخول درنار سوزان).
وهو وعيد من الله لهم وتسلية لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فعلى العاقل أن يتدارك حاله قبل خروج الوقت بدخول الموت ونحوه.
ويقبل على قبول الدعوة ما دام الداعي مقبلاً غير صافح، وإلا فمن كان شفيعه خصماً له لم يبق له رجاء النجاة.
قال ذو النون رحمه الله : سمعت بعض المتعبدين بساحل الشام يقول : إنعباداً عرفوه بيقين من معرفته فشمروا قصداً إليه وتحملوا فيه المصائب لما يرجون عنده من الرغائب صحبوا الدنيا بالأشجان، وتنعموا فيها بطول الأحزان، فما نظروا إليها بعين راغب، ولا تزودوا منها إلا كزاد راكب خافوا البيات فأسرعوا ورجوا النجاة، فأزمعوا بذلوا مهج أنفسهم في رضا سيدهم، نصبوا الآخرة نصب أعينهم، وأصغوا إليها بآذان قلوبهم، فلو رأيتهم لرأيت قوماً ذبلاً شفاههم خمصاً بطونهم خزينة قلوبهم ناحلة أجسادهم باكية أعينهم لم يصحبوا التعليل والتسويف، وقنعوا من الدنيا بقوت خفيف ولبسوا من اللباس أطماراً بالية، وسكنوا من البلاد قفراء خالية هربوا من الأوطان، واستبدلوا الوحدة من الإخوان، فلو رأيتهم لرأيت قوماً قد ذبحهم الليل بسكاكين السهر والنصب وفصل أعضاءهم بخناجر التعب خمص بطول السرى شعث بفقد الكرى قد وصلوا الكلال بالكلال، وتأهبوا للنقلة والارتحال :
جواز جايكان در دويدن كرو
بتيزى هم افتان وحيزان برو
كران باد بايان برفتندتيز
توبى دست وبا ازنشستن بخيز
تمت سورة الزخرف بعون الله تعالى في أواخر جمادى الآخرة من الشهور المنتظمة في سلك سنة ثلاث عشرة ومائة وألف.
وتليها سورة الدخان، وهي سبع أو تسع وخمسون آية مكية إلا قوله : إنا كاشفوا العذاب إلخ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩


الصفحة التالية
Icon