﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَالارْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ * وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِى إسرائيل مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِن فِرْعَوْنَا إِنَّه كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ : التنجية :(نجات دادن وبرهانيدن) ؛ أي : خلصنا أولاد يعقوب بإغراق القبط في اليم ﴿مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ :(از عذابى خوار كننده).
يعني : استعباد فرعون إياهم وقتل أبنائهم واستخدام نسائهم وبناتهم وتكليفه إياهم الأعمال الشاقة، فالهوان يكون من جهة مسلط مستخف به، وهو مذموم.
﴿مِن فِرْعَوْنَ﴾ بدل من العذاب، إما على جعله نفس العذاب لإفراطه في التعذيب، وإما على حذف المضاف ؛ أي : من عذاب فرعون، أو حال من المهين، بمعنى واقعاً من جهته واصلاً من جانبه.
﴿إِنَّه كَانَ عَالِيًا﴾ متكبراً.
﴿مِّنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ :
٤١٤
خبر ثاننٍ لكان ؛ أي : من الذين أسرفوا على أنفسهم بالظلم والعدوان، وتجاوزوا الحد في الكفر والعصيان.
وقال الكاشفي :(از كافر انكه متجاوزاند از حدود ايمان).
ومن إسرافه أنه على حقارته وخسة شأنه ادعى الإلهية، فكان أكفر الكفار وأطغاهم، وهو أبلغ من أن يقال : مسرفاً لدلالته على أنه معدود في زمرتهم مشهور بأنه في جملتهم، وفيه ذم لفرعون، ولمن كان مثله في العلو والإسراف كنمرود وغيره.
وبيان أن من أهان المؤمن أهلكه الله وأذله، ومن يهن الله فما له مكرم، وإن النجاة من أيدي الأعداء من نعم الله الجليلة على الأحباب، فإن من نكد الدنيا ومصائبها على الحر أن يكون مغلوباً للأعداء، وأن يرى عدواً له ما من صداقته بد وإن الله إذا أراد للمرء ترقياً في دينه ودنياه يقدم له البلايا ثم ينجيه :
تامرا كعبة مقصود ببالين آمد
سالها بستر خودخار مغيلان كردم
﴿مِن فِرْعَوْنَا إِنَّه كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ اخْتَرْنَـاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَـالَمِينَ * وَءَاتَيْنَـاهُم مِّنَ الايَـاتِ مَا فِيهِ بَلَـاؤٌا مُّبِينٌ * إِنَّ هَـاؤُلاءِ لَيَقُولُونَ﴾.
﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَـاهُمْ﴾ ؛ أي : فضلنا بني إسرائيل ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ في محل النصب على الحال ؛ أي : عالمين بأنهم أحقاء بالاختيار.
وبالفارسية :(بردانشى بى غلط يعنى نه بغلط بركزيديم بلكه بعلم باك كزيديم وبدانش تمام دانستيم كه از همه آفريد كان سزاى كزيدن ايشانند ازان كزيديم اختيار ما بعلم واردات ماست بى علت ونواخت ما بفضل وكرم بى سبب).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
أو عالمين بأنهم يريغون في بعض الأوقات وتكثر منهم الفرطات، كما قال الواسطي رحمه الله : اخترناهم على علم منا بجناياتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا بهم ليعلموا أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات، ومن هذا القبيل أولاد يعقوب عليه السلام ؛ فإنهم مع ما فعلوا بيوسف من إلقائه في الجب ونحوه.
اختارهم الله للنبوة على قول :
كرد عصيال رحمت حق رانمى آرد بشور
مشرب دريانكردد تيره ازسيلابها
ويجوز أن يكون المعنى لعلمهم وفضلهم على أن كلمة على للتعليل.
﴿عَلَى الْعَـالَمِينَ﴾ على عالمي زمانهم، يعني :(برجهانيان روزكار ايشان).
أو على العالمين جميعاً في زمانهم وبعدهم في كل عصر لكثرة الأنبياء فيهم، حيث بعث فيهم يوماً ألف نبي، ولم يكن هذا في غيرهم، ولا ينافيه قوله تعالى في حق أمة محمد عليه السلام :﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران : ١١٠)، الآية لتغاير جهة الخيرية.
يقول الفقير : والحق أن هذه الأمة المرحومة خير من جميع الأمم من كل وجه، فإن خيرية الأمم إن كانت باعتبار معجزات أنبيائهم، فالله تعالى قد أعطى لنبينا عليه السلام جميع ما أعطاه للأولين، وإن كانت باعتبار كثرة الأنبياء في وقت واحد، فعلماؤنا الذين كأنبياء بني إسرائيل أكثر وأزيد.
وذلك لأنه لا تخلو الدنيا كل يوم من أيام هذه الأمة إلى قيام الساعة من مائة ألف ولي وأربعة وعشرين ألف ولي، فانظركم بينهم من الفرق هدانا الله وإياكم أجمعين.
قال في "المفردات" : الاختيار طلب ما هو خير فعله، وقوله تعالى :﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَـاهُمْ﴾، الآية.
يصح أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى إياهم خيراً، وأن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم.
وفي "بحرالعلوم" : هذا الاختيار خاص بمن اختاره الله بالنبوة منهم، أو عام لهم، ولمن كانوا مع موسى اختارهم بما خصصهم به.
كما قال الكاشفي : ولقد اخترناهم :(وبدرستى كه بركز يديم موسى ومؤمنان بني إسرائيل راه).
فجعلنا فيهم الكتاب والنبوة والملك.
﴿وَءَاتَيْنَـاهُم مِّنَ الايَـاتِ﴾ :(نشانهاى قدرت).
كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغيرها من عظائم الآيات التي لم يعهد مثلها
٤١٥
في غيرهم.
﴿مَا فِيهِ بَلَـاؤٌا مُّبِينٌ﴾ : نعمة جليلة أو اختيار ظاهر لينظر كيف يعملون.