قال في "بحر العلوم" : ميقاتهم ؛ أي : حدهم الذي يوقتون به ولا ينتهون إليه، ومنه مواقيت الإحرام على الحدود التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة إلا محرماً.
فإن الميقات ما وقت به الشيء ؛ أي : حد.
قال ابن الشيخ : الفرق بين الوقت والميقات أن الميقات وقت يقدر ؛ لأن يقع فيه عمل من الأعمال وأن الوقت ما يقع فيه شيء سواء قدره مقدر ؛ لأن يقع فيه ذلك الشيء أم لا؟
﴿يَوْمَ لا يُغْنِى﴾ بدل من يوم الفصل ﴿مَوْلًى﴾ ولي من قرابة وغيرها.
وبالفارسية :(دوستى وخويشتاوندى).
﴿عَن مَّوْلًى﴾ ؛ أي مولى كان.
وبالفارسية :(ازدوست وخويش خود).
﴿شَيْـاًا﴾ ؛ أي : شيئاً من الإغناء والإجزاء على أن شيئاً واقع موقع المصدر وتنكيره للتقليل.
ويجوز أن يكون منصوباً على المفعول به على أن يكون لا يغني بمعنى لا يدفع بعضهم عن بعض شيئاً من عذاب الله ولا يبعد.
فإن الإغناء بمعنى الدفع وإبعاد المكروه.
وبالفارسية :(جيزى را از عذاب مايا سود نرسد كس كسى راهيج جيز).
وتنكير مولى في الموضعين للإبهام، فإن المولى مشترك بين معان كثيرة يطلق على المالك والعبد والمعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه.
والجار والحليف والابن والعم والنزيل والشريك، وابن الأخت والولي والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه، والمحب والتابع والصهر.
كما في "القاموس" : وكل من ولي أمر واحد فهو وليه ومولاه، فواحد من هؤلاء ؛ أي واحد كان لا يغني عن مولاه ؛ أي مولى كان شيئاً من الإغناء ؛ أي : إغناء قليلاً، وإذا لم ينفع بعض الموالي بعضاً ولم يغن عنه شيئاً من العذاب بشفاعته كان عدم حصول ذلك ممن سواهم أولى.
وهذا في حق الكفار يقال : أغنى عنه كذا إذا كفاه.
والإغناء بالفارسية :(بى نياز كردانيدن وواداشتن
٤٢٤
كسى را از كسى).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
﴿وَلا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ : الضمير لمولى الأول باعتبار المعنى : لأنه عام لوقوعه نكرة في سياق النفي، فكأنه جمع ؛ أي : لا يمنعون مما نزل بهم من العذاب ولا يملكون أن يشفع لهم غيرهم.
﴿إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ﴾ بالعفو عنه وقبول الشفاعة في حقه، وهم المؤمنون ومحله الرفع على البدل من الواو كما هو المختار، أو النصب على الاستثناء.
﴿إِنَّه هُوَ الْعَزِيزُ﴾ الذي لا ينصر من أراد تعذيبه كالكفار.
﴿الرَّحِيمُ﴾ : لمن أراد أن يرحمه كالمؤمنين.
قال سهل : من رحم الله عليه في السوابق، فأدركته في العاقبة بركة تلك الرحمة حيث جعل المؤمنين بعضهم في بعض شفيعاً.
وفي الآية إشارة إلى أن يوم القيامة يفصل بين أرباب الصفاء، وأصحاب الصدأ ولا يغني مولى عن مولى ولا ناصر عن ناصر، ولا حميم عن حميم، ولا نسيب عن نسيب، ولا شيخ عن مريد شيئاً من الصفاء إذ لم يحصلوا ها هنا في دار العمل، ولا ينظرون في تحصيل الصفاء، ودفع الصدأ إلا من رحم الله عليه بتوفيق تصفية القلب في الدنيا، كما قال تعالى :﴿إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء : ٨٩)، إنه هو العزيز يعز من يشاء بصفاء القلب الرحيم، يرحم من يشاء بالتجلي لمرآة قلبه.
حكي : أنه كان أخوان فمات أحدهما فرآه الآخر في المنام، وسأله عن حاله، فقال : يا أخي من كان في الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى، فكان هذا سبب توبته وإنابته حتى كان من الصلحاء الكاملين.
واعلم أن المقصود من العلم والعمل تزكية النفس، فإذا حصلت هذه التزكية كان ثواب العمل الصالح كاللباس الفاخر على البدن الحسن الناضر، وإذا لم تحصل كان كالزينة على الجسم القبيح، فمن حسن ذاته في الدنيا بإزالة قبح نفسه جاء في القيامة حسناً بالحسن الذاتي والعارضي، وإلا فبالحسن العارضي فقط، وهو ثواب العمل، فاعرف هذا، فلا بد من الاجتهاد والوقت باققٍ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠