﴿هَـاذَآ﴾ : القرآن.
﴿بَصَآاـاِرَ لِلنَّاسِ﴾، فإن ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب كأنه بمنزلة الروح والحياة، فمن عري من القرآن، فقد عدم بصره وبصيرته وصار كالميت والجماد الذي لا حس له ولا حياة، فحمل البصائر على القرآن، باعتبار أجزائه ونظيره قوله تعالى :﴿قَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ﴾ (الأنعام : ١٠٤) ؛ أي : القرآن، وآياته.
وقوله تعالى في حق الآيات التسع لموسى عليه السلام.
قال : لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر والبصائر جمع بصيرة.
وهو النور الذي به تبصر النفس المقولات، كما أن البصر نور به تبصر العين المحسوسات.
ويجوز أن يكون هذا إشارة إلى اتباع الشريعة، فحمل البصائر عليه ؛ لأن المصدر المضاف من صيغ العموم ؛ فكأنه قيل : جميع اتباعاتها.
﴿وَهَدَى﴾ من ورطة الضلالة.
﴿وَرَحْمَةً﴾ عظيمة ونعمة كاملة من الله، فإن الفوز بجميع السعادات الدنيوية والأخروية، إنما يحصل به ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ من شأنهم الإيقان بالأمور.
وبالفارسية :(مر كروهى راكه بى كمان شوند يعنى از باديه كمان كنشته طالب سر منزل يقين باشند).
وفي "التأويلات النجمية" : المستعدين للوصول إلى مقام اليقين بأنوار البصيرة، فإذا تلألأت انكشف بها الحق والباطل، فنظر الناس على مراتب من ناظر بنور العقل ومن ناظر بنور الفراسة، ومن ناظر بنور الإيمان، ومن ناظر بنور الإيقان، ومن ناظر بنور الإحسان، ومن ناظر بنور العرفان، ومن ناظر بنور العيان، ومن ناظر بنور العين، فهو على بصيرة شمسها طالعة وسماؤها عن السحاب مصحية.
انتهى.
وعن النبي عليه السلام :"القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم.
أما داؤكم، فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار" وأعظم الذنوب الشرك وعلاجه التوحيد، وهو على مراتب بحسب الأفعال والصفات والذات، وللإشارة إلى المرتبة الأولى.
قال تعالى :
٤٤٤
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ()، فإن التوكل نتيجة توحيد الأفعال، والتوكل كله الأمر كله إلى مالكه، والتعويل على وكالته.
وللإشارة إلى المرتبة الثانية.
قال تعالى :﴿يا أيتها النَّفْسُ الْمُطْمَـاـاِنَّةُ * ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ (الفجر : ٢٧ ـ ٢٨)، فإن الرضا لإرادته الأزلية وترك الاعتراض وسرور القلب بمر القضاء ثمرة توحيد الصفات.
ومن هذا المقام قال أبو علي الدقاق رحمه الله : التوحيد هو أن يقرضك بمقاريض القدرة في إمضاء الأحكام قطعة قطعة، وأنت ساكت حامد.
وللإشارة إلى المرتبة الثالثة.
قال تعالى :﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾ (القصص : ٨٨).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
حكي : أن واحداً من أصحاب أبي تراب النخشبي توجه إلى الحج، فزار أبا يزيد البسطامي قدس سره، فسأله عن شيخه، فقال : إنه يقول : لو صارت السماء والأرض حديداً ما شككت في رزقي فاستقبحه أبو يزيد ؛ لأن فيه فناء الأفعال دون الصفات والذات، وقال : كيف تقوم الأرض التي هو عليها فرجع فأخبر القصة لأبي تراب، فقال : قل له : كيف أنت؟ فجاء وسأل، فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم (بايزيد نيست)، فلما رآه أبو تراب، وكان في الاحتضار قال : آمنت بالله، ثم توفي.
قال مولانا قدس سره :
هيج بغضى نيست در جانم زتو
زانكه اين را من نمى دانم زتو
آلت حقى توفاعل دست حق
جون زنم بر آلت حق طعن ودق
وقال أيضاً :
آدمى راكى رسد اثبات تو
اى بخود معروف وعارف ذات تو
فعليك بتدبر الآيات القرآنية والانتفاع بالبصائر النورانية لتكون من العلماء الربانية.
قال بعض الكبار : أربعة عالم حظه من الله، الله وهو مقام السر والحقيقة.
قال الله تعالى :﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّه لا إله إِلا هُوَ﴾ ()، وعالم حظه من الله العلم والمعرفة، وهو مقام الروح والمعرفة، وعالم حظه علم السير إلى الله، وهو مقام النفس والطريقة وعالم حظه علم السير إلى الآخرة، وهو مقام الطبيعة والشريعة ؛ لأنه بالأعمال الصالحة يحصل السير الأخروي، وأعلى الكل هو الأول.
قال بعض الكبار : رأيت أبا يزيد قعد في مسجد بعد العشاء إلى الصبح، فقلت : أخبرني عما رأيت، فقال : أراني الله ما في السماوات والأرض، ثم قال : ما أعجبك؟ فقلت : ما أعجبني غيرك، فبعضهم طلب منك المشي على الماء وبعضهم كرامة أخرى، وأنا لا أريد غيرك.
قال : فقلت له : لم لم تطلب منه معرفته، فقال : مه لا أريد أن يعرفه غيره.
قال بعضهم : مقام التوحيد فوق مقام المعرفة.
حكي : أن اثنين من الفقراء التقيا، فتكلما على المعارف الإلهية كثيراً، ثم قال أحدهما للآخر : رضي الله عنك إذ حصل لي ذوق عظيم من من صحبتك من المعارف.
وقال الآخر : ولا رضى عنك إذا استقطعتني بصحبتك من مقام التوحيد إلى مقام المعرفة، فإذا كملت المعرفة حصل الشهود والفناء والسكون.
قال الشيخ سعدي المفتي :
اى مرغ سحر عشق زبروانه بياموز
كان سوخته راجان شد وآوز نيامد
اين مدعيان در طلبش بى خبرانند
كانراكه خبر شد خبرى باز نيامد
وقال :