﴿أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـاهَه هَوَاـاهُ﴾، وهو ما تهواه نفسه الخبيثة.
وقال الشعبي : إنما سمي الهوى ؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار، وهو تعجيب لحال من ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى فكأنه عبده.
ففيه استعارة تمثيلية أو حذف أداة التشبيه.
وكان الأصل كإلهه ؛ أي : أنظرت فرأيته، فإن ذلك مما يقتضي التعجب.
وسبق تحقيق الآية في سورة الفرقان.
وفيه إشارة إلى أن من وقف بنفسه في مرتبة من المراتب دون المشاهدة، فقد صار من أهل الهوى وعبد ما سوى المولى.
وفي الحديث :"ما عبد تحت ظل السماء أبغض إلى الله من هوى".
قال بعضهم :()
نون الهوان من الهوى مسروقة
فأسير كل هوى أسير هوان
وقال بعضهم :()
فاعص هوى النفس ولا ترضها
إنك إن أسخطتها زانكا
حتى متى تطلب مرضاتها
وإنما تطلب عدوا نكا
قال الشيخ سعدي :
مراد هر كه برارى مطيع امر توشد
خلاف نفس كه كردن كشد جويافت مراد
وقال المولى الجامي :
هيج اذاى براه خلق
نيست بدتر زنفس بدفر ما
﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ﴾ وخذله عدلاً منه يعني :(كمراه ساخت وفرو كذاشت).
﴿عَلَى عِلْم﴾ حال من الفاعل ؛ أي : حال كونه تعالى عالماً بضلاله وتبديله للفطرة الأصلية، ويمكن أن يجعل حالاً من المفعول ؛ أي : علم من الضال بطريق الهداية بأن ضلّ عناداً نحو فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ونحوه، فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم.
﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ﴾ بحيث لا يتأثر من المواعظ ولا يسمع الحق.
﴿وَقَلْبُهُ﴾ بحيث لا يتفكر في الآيات والنذر، ولا يفهم الحق.
٤٤٨
﴿وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِه غِشَـاوَةً﴾ مانعة عن الاستبصار والاعتبار، وهو ما يغشى العين ويغطيها عن الإبصار والإدراك وتنكيرها للتنويع أو للتعظيم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
قال بعض الكبار : ختم الله على سمعه، فحرم من سماع خطابه، وعلى قلبه فحرم من فهم خطابه وعلى عينيه، فحرم من مشاهدة آثار القدرة في صنعه، فلم ير الحق.
﴿فَمَن يَهْدِيهِ﴾ :(بس كيست كه راه نمايد اين كس را).
﴿مِنا بَعْدِ اللَّهِ﴾ ؛ أي : من بعد إضلاله إياه بموجب تعاميه عن الهدى وتماديه في الغي ؛ أي : لا يقدر، فتعلموا أن الهداية لا يملكها أحد سواه، أفلا تتعظون.
(آيا بند نمى يعنى يند كيريد ومتنبه شويد).
وفي الآية إشارة إلى الفلاسفة والدهرية والطبائعية، ومن لم يسلك سبيل الاتباع، ولم يستوف أحكام الرياضة بتأديب أرباب الطريقة على قانون الشريعة، ولم ينسلخ عن هواه بالكلية، ولم يؤد به ويسلكه إمام مقتدي في هذا الشأن من أرباب الوصال والوصول، بل اقتدى بأئمة الكفر والضلالة، واقتفى آثارهم بالشبهات العقلية وحسبان البراهين القطعية، فوقع في شبكة الشيطان، فأخذه بزمام هواه وأضله في تيه مهواه، وربما دعاة إلى الرياضة وترك الشهوات لتصفية العقل وسلامة الفكر فيمنيه إدراك الحقائق حتى يوبقه في وهدات الشبهات، فيهيم في كل ضلالة ويضل في كل فج عميق، وأصبح خسرانه أكثر من ربحه ونقصانه أوفر من رجحانه، فهم في ضلال بعيد يعملون القرب على ما يقع لهم من نشاط نفوسهم زمامهم بيد هواهم أولئك أهل المكر استدرجوا من حيث لا يشعرون.
وفي المثنوي :
جيست حبل الله رها كردن هوا
كين هواشد صرصرى مر عادرا
خلق درزندان نشته از هواست
روح را در غيب خود اشكنجهاست
ليك تانجهى شكنجه در خفاست
جون رهيدى بينى اشكنج ودمار
زانكه ضد از ضد كردد آشكار.
جون رهاكردى هوى از بيم حق
درر سد سغراق.
از تسنيم حق
﴿وَقَالُوا﴾ : يعني : منكري البعث من غاية غيهم وضلالهم، وهم كفار قريش ومشركو العرب.
وفي "كشف الأسرار" : هذا من قول الزنادقة الذين قالوا : الناس كالحشيش.
﴿مَا هِىَ﴾ ؛ أي : ما الحياة؟.
﴿إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ التي نحن فيها.
﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ ؛ أي : يصيبنا الموت والحياة فيها، وليس وراء ذلك حياة، وتأخير نحيا ؛ لأن فيها شبهة مراعاة الفاصلة ؛ ولأن الواو لمطلق الجمع.
وقد جوّز أن يريدوا به التناسخ، فإنه عقيدة أكثر عبدة الأوثان، يعني :(احتمال داردكه) قائلان : أين مذهب (تناسخ داشته باشند ونزد ايشان آنست كه هركه مى ميرد روح أو بجسد ديكر تعلق ميكيرد وهم دردينا ظهور ميكند تا ديكر بميرد وديكر باز آيد وازشا كمونى كه بزعم ايشان بيغمبر ست نقل كرده اندكه كفت من خودرا هزار وهفتصد قالت ديده ام).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
قال الراغب : القائلون بالتناسخ قوم ينكرون البعث على ما أثبتته الشريعة، ويزعمون أن الأرواح تنتقل من الأجساد على التأبيد ؛ أي : إلى الأجساد أخر.
وفي "التعريفات" : التناسخ عبارة عن تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر من غير تخلل زمان بين التعلقين للتعشق الذاتي بين الروح والجسد.
﴿وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلا الدَّهْرُ﴾ ؛ أي : مرور الزمان، وهو مدة بقاء العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه، ثم يعبر به عن كل مدة كبيرة، وهو خلاف الزمان، فإن الزمان يقع على المدة القليلة
٤٤٩
والكثيرة.


الصفحة التالية
Icon