قبول توبته كما في "فتاوى قارىء الهداية" وفي "الأصول" من لم تبلغه الدعوة، فهو غير مكلف بمجرد العقل، فإذا لم يعتقد إيماناً ولا كفراً كان معذوراً إذا لم يصادف مدة يتمكن فيها من التأمل والاستدلال بأن بلغ في شاهق الجبل، ومات في ساعته، وإذا أعانه الله بالتجربة وأمهله لدرك العواقب لم يكن معذوراً، وإن لم تبلغه الدعوة ؛ لأن الإمهال وإدراك مدة التأمل بمنزلة دعوة الرسل في حق تنبيه القلب من نوم الغفلة، فإذا قصر في النظر لم يكن معذوراً وليس على حد الإمهال دليل يعتمد عليه، وما قيل أنه مقدر بثلاثة أيام اعتباراً بالمرتد فإنه يمهل ثلاثة أيام ليس بقوي : لأن هذه التجربة تختلف باختلاف الأشخاص ؛ لأن العقول متفاوتة فرب عاقل يهتدي في زمان قليل إلى ما لا يهتدي إليه غيره في زمان طويل، فيفوض تقديره إلى الله إذ هو العالم بمقدارها في حق كل شخص، فيعفو عنه قبل إدراكها، أو يعاقبه بعد استيفائها، وعند الأشعرية إن غفل عن الاعتقاد حتى هلك، أو اعتقد الشرك، فلم تبلغه الدعوة كان معذوراً ؛ لأن المعتبر عندهم هو السمع دون العقل، ومن قتل من لم تبلغه الدعوة ضمنه ؛ لأن كفرهم معفو عندهم، فصاروا كالمسلمين في الضمان، وعندنا لم يضمن وإن كان قتله حراماً قبل الدعوة ضمنه ؛ لأن غفلتهم عن الإيمان بعد إدراك مدة التأمل لا يكون عفواً، وكان قتلهم مثل قتل نساء أهل الحرب، فلا يضمن، ثم الجهل في دار الحرب من مسلم لم يهاجر إلينا يكون عذراً حتى لو لم يصل ولم يصم مدة، ولم تبلغ إليه الدعوة لا يجب عليه قضاؤهما ؛ لأن دار الحرب ليس بمحل لشهرة أحكام الإسلام بخلاف الذمي إذا أسلم في دار الإسلام يجب عليه قضاء الصلاة، وإن لم يعلم بوجوبها ؛ لأنه متمكن من السؤال عن أحكام الإسلام وترك السؤال تقصير منه، فلا يكون عذراً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
يقول الفقير : والذي تحرر من هذه التقريرات أن من لم تبلغه الدعوة، فهو على وجهين : إما أن يمهل له قدر ما يتأمل في الشواهد ويعرف التوحيد أولاً، فالثاني : معذور دون الأول، وتكفي المعرفة المجردة وإن لم يكن هناك إيمان شرعي.
ولذا ورد في الخبر من مات، وهو يعرف، ولم يقل، وهو يؤمن، فدل على أن من عرف الله تعالى معرفة خالصة ليس فيها شرك نجا من النار.
ومعنى الإيمان الشرعي هو المتابعة لنبي من الأنبياء عليهم السلام.
وقس على هذا أحوال أهل الفترة، فإنهم إن لم يخلوا بالتوحيد وبالأصول كانوا معذورين، فقول من قال : ليأتين على جهنم زمان إلخ.
حق فإن الطبقة العالية من جهنم التي هي مقر عصاة المؤمنين تبقى خالية بعد مرور الأحقاب، يعني : من كان في قلبه مثقال حبة من الإيمان ؛ أي : معرفة الله تعالى سواء سمي ذلك إيماناً شرعياً، أم لا يخرج من النار، فإذا لم يكفر أهل المعرفة المجردة، فكيف أهل القبلة من المؤمنين بالإيمان الشرعي ما لم يدل دليل ظاهر أو خفي على كفره.
قال المولى الجامي في سلسلة الذهب :
هركه شد زاهل قبله برتوبديد
كه به آورده نبي كرويد
كرجه صد بدعت وخطا وخلل
بينى اورا زروى علم عمل ه
مكن اورا زسرزنش تكفير
مشمارش زاهل نار سعير
وربببنى كسى زاهل اصلاح
كه رود راه دين صباح ورواح
بيفين زاهل جنتش مشمار
ايمن از روز آخرش مكذار
مكر آنكس كه از رسول خدا
شد مبشر بجنة المأوى
قال الشيخ علاء الدولة في كتاب "العروة" : جميع الفرق الإسلامية أهل النجاة.
والمراد
٤٥٦
من الناجية في حديث "ستفترق أمتي".
إلخ الناجية بلا شفاعة.
﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ أن ما وعده من الأمور الآتية، فهو بمعنى الموعود.
﴿حَقٍّ﴾ واقع لا محالة ﴿وَالسَّاعَةُ﴾ ؛ أي : القيامة التي هي أشهر ما وعده.
﴿لا رَيْبَ فِيهَآ﴾ ؛ أي : في وقوعها لكونها مما أخبر به الصادق، ولقيام الشواهد على وجودها.
﴿قُلْتُمْ﴾ من غاية عتوكم يا منكري البعث من الكفار والزنادقة.
﴿مَّا نَدْرِى مَا السَّاعَةُ﴾ ؛ أي : أي شيء هي استغراباً لها.
﴿إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنًّا﴾ ؛ أي : ما نفعل فعلاً إلا ظناً فإن ظاهره استثناء الشيء من نفسه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
وفي "فتح الرحمن" ؛ أي : لا اعتقاد لنا إلا الشك والظن أحد طرفي الشك بصفة الرجحان ويجيء بمعنى اليقين.
انتهى.
ومقابل الظن المطلق هو الاستيقان ولذا قال :﴿وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ ؛ أي : لإمكان الساعة، يعني :(مارا يقينى نيست در قيام قيامت).
ولعل هؤلاء غير القائلين : ما هي إلا حياتنا الدنيا، فمنهم من يقطع بنفي البعث والقيامة، وهم المذكورون في الآية الأولى.
ومنهم : من يشك لكثرة ما سمعوه من الرسول عليه السلام من دلائل صحة وقوعه.
وهم المذكورون في هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon