والأظهر أن تجعل الآية من حذف معادل، أم المتصلة لوجود دليله.
والتقدير : ألهم شرك في الأرض، أم لهم شرك في السماوات؟ كما في "حواشي سعدي المفتي".
﴿ائْتُونِى بِكِتَـابٍ﴾ إلخ.
تبكيت لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلي بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقلي، والباء للتعدية ؛ أي : ائتوني بكتاب إلهي كائن.
﴿مِّن قَبْلِ هَـاذَآ﴾ ؛ أي : الكتاب أي : القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم، يعني : أن جميع الكتب السماوية ناطقة بمثل ما نطق به القرآن.
﴿أَوْ أَثَـارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ﴾ ؛ أي : بقية كائنة من علم بقيت عليكم من علوم الأولين شاهدة باستحقاقهم للعبادة من قولهم : سمنت الناقة على أثارة من لحم وشحم ؛ أي : على بقية لحم وشحم كانت بها من لحم وشحم ذاهب ذائب.
﴿إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ في دعواكم، فإنها لا تكاد تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي أو نقلي، وحيث لم يقم عليها شيء منهما، وقد قامت على خلافها أدلة العقل والنقل تبين بطلانها :
واحد اندر ملك اورا يارنى
بنكانش را جزا وسالارنى
نيست خلقش راد كركس مالكى
شركتش دعوى كند جز هالكى
وفيه إشارة إلى أن كل ما يعبد من دون الله من الهوى والشيطان وغيرهما لا يقدر على شيء في أرض النفوس وسماوات الأرواح، فإن الله هو الخالق.
ومنه التأثير وبيده القلوب يقلبها كيف يشاء، فإن شاء أقامها للحق وإن شاء أزاغها للباطل، وليس لعبادة غير الله دليل من المعقول والمنقول، ولم يجوزها أحد من أولي النهي والمكاشفة، ومن ثمة اتفق العلماء من أهل الظاهر والباطن على وجوب الإخلاص حتى قالوا : الرغبة في الإيمان والطاعة لطلب الثواب والخوف من العقاب غير مقيدة فإن فيها ملاحظة غير الله فالعبادة إنما هيلا للجنة ولا للنار.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
﴿وَمِنْ﴾ استفهام خبره قوله :﴿أَضَلَّ﴾ :(كمراه ترست).
﴿مِمَّن يَدْعُوا﴾ ويعبد ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ ؛ أي : حال كونه متجاوزاً دعاء الله وعبادته.
﴿مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ﴾ : الجملة مفعول بدعواى هم أضل من كل ضلل حيث تركوا عبادة خالقهم السميع القادر المجيب الخبير إلى عبادة مصنوعهم العاري عن السمع والقدرة والاستجابة.
يعني :(اكر مشرك معبود باطل خودرا بخواند اثر استجابت از وظاهر نخواهد شد).
﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ﴾ : غاية لنفي الاستجابة ؛ أي : ما دامت الدنيا، فإن قيل : يلزم منه أن منتهى عدم الاستجابة يوم القيامة للإجماع على اعتبار مفهوم الغاية.
قلنا : لو سلم فلا يعارض المنطوق.
وقد دل قوله : وإذا حشر الناس الآية على معاداتهم إياهم، فأنى الاستجابة، وقد يجاب بأن انقطاع عدم الاستجابة حينئذٍ لاقتضائه سابقة الدعاء ولا دعاء ويرده قوله تعالى :﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ (الكهف : ٥٢) إلا أن يخص الدعاء بما يكون عن رغبة، كما في "حواشي سعدي المفتي".
وقال ابن الشيخ : وإنما جعل ذلك غاية مع أن عدم استجابتهم أمر مستمر في الدنيا والآخرة إشعاراً بأن معاملتهم مع العابدين بعد قيام الساعة أشد وأفظع مما وقعت في الدنيا إذ يحدث هناك العداوة والتبري ونحوه، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين، فإن اللعنة على الشيطان، وإن كانت أبدية لكن يظهر يوم الدين أمر أفظع منها تنسى عنده ؛ كأنها تنقطع.
﴿وَهُمْ﴾ ؛ أي : الأصنام.
﴿عَن دُعَآاـاِهِمْ﴾ ؛ أي : عن دعاء الداعين المشركين وعبادتهم، فالضمير الأول لمفعول يدعو، والثاني : لفاعله.
والجمع فيهما باعتبار معنى من، كما أن الإفراد فيما سبق
٤٦٤
باعتبار لفظها.
﴿غَـافِلُونَ﴾ لكونهم جمادات لا يعقلون، فكيف يستجيبون.
وعلى تقدير كون معبوديهم أحياء كالملائكة ونحوهم، فهم عباد مسخرون مشغولون بأحوالهم وضمائر العقلاء لإجرائهم الأصنام مجرى العقلاء ووصفها بما ذكر من ترك الاستجابة.
والغفلة مع ظهور حالها للتهكم بها وبعبدتها :
بى بهره كسى كه جشمه آب حيات
بكذا رد ورونهد بسوى ظلمات
﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ﴾ عند قيام القيامة، والحشر الجمع كما في "القاموس".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
قال الراغب : الحشر إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب وغيرها، ولا يقال : إلا في الجماعة وسمي القيامة يوم الحشر، كما سمي يوم البعث ويوم النشر.
﴿كَانُوا﴾ ؛ أي : الأصنام.
﴿لَهُمْ﴾ ؛ أي : لعابديهم.
﴿أَعْدَآءِ﴾ يضرونهم ولا ينفعونهم.
(خلاف آنجه كمان مى بردند بديشان ازشفاعت ومدد كارى).
﴿وَكَانُوا﴾ ؛ أي : الأصنام ﴿بِعِبَادَتِهِمْ﴾ ؛ أي : بعبادة عابديهم.
﴿كَـافِرِينَ﴾ ؛ أي : مكذبين بلسان الحال أو المقال على ما يروى أنه تعالى يحيي الأصنام فتتبرأ من عبادتهم وتقول : إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم ؛ لأنها الآمرة بالإشراك، فالآية نظير ما تقدم في يونس.


الصفحة التالية
Icon