وفي رواية : يصلي صلاة الفجر إذ كان إذ ذاك مأموراً بركعتين بالغداة وبركعتين بالعشي، فهي غير صلاة الفجر التي هي إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء إذ الحيلولة بين الجن وبين خبر السماء بالشهب.
كانت في أوائل الوحي وليلة الإسراء كانت بعد ذلك بسنين عديدة، فاستمعوا لقراءته عليه السلام، وكان يقرأ طه وذلك عند منصرفه من الطائف حين خرج إليهم يستنصرهم على الإسلام، والقيام على من خالفه من قومه، فلم يجيبوه إلى مطلوبه وأغروا به سفهاءهم، فآذوه عليه السلام أذى شديداً ودقوا رجليه بالحجارة حتى أدموها، كما سبق.
نبذة منه في آخر التوبة، وكان أقام بالطائف يدعوهم، عشرة أيام وشهراً وأقام بنخلة أياماً، فلما أراد الدخول إلى مكة قال له زيد : كيف تدخل عليهم يعني : قريشاً، وهم قد أخرجوك ؛ أي : كانوا سبباً لخروجك، وخرجت لتستنصرهم، فلم تنصر، فقال : يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه، فسار عليه السلام إلى جبل حراء وبعث إلى مطعم بن عدي، وقد مات كافراً قبل بدر بنحو سبعة أشهر، يقول له : إني داخل مكة في جوارك، فأجابه إلى ذلك، فدخل عليه السلام مكة، ثم تسلح
٤٨٧
مطعم وبنوه، وهم ستة أو سبعة وخرجوا حتى أتوا المسجد الحرام، فقام مطعم على راحلته، فنادى يا معشر قريش : إني قد أجرت محمداً، فلا يؤذيه أحد منكم، ثم بعث إلى رسول الله عليه السلام أن ادخل، فدخل وطاف بالبيت وصلى عنده، ثم انصرف إلى منزله ومطعم وولده مطيفون به.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
وكان من عادة العرب حفظ الجوار.
ولذا قال أبو سفيان لمطعم أجرنا من أجرت، ثم إن مرور الجن به عليه السلام في هذه القصة، ووقوفهم مستمعين لم يشعر به عليه السلام، ولكن أنبأه الله باستماعهم وذكر اجتماعهم به عليه السلام في مكة مراراً، فمن ذلك ما روي : أن النفر السبعة من الجن لما انصرفوا من بطن نخلة جاؤوا إلى قومهم منذرين، ثم جاؤوا مع قومهم وافدين إلى رسول الله عليه السلام، وهو بمكة ثلاثمائة أو اثنا عشر ألفاً، فانتهوا إلى الحجون، وهو موضع فيه مقابر مكة، فجاء واحد من أولئك النفر إلى رسول الله، فقال : إن قومنا قد حضروا بالحجون يلقونك، فوعده عليه السلام ساعة من الليل، ثم قال لأصحابه : إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة، وأنذرهم، فمن يتبعني قالها : ثلاثاً، فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقام معه، قال : فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب الحجون خط لي خطاً برجله.
وقال لي : لا تخرج منه حتى أعود إليك، فإنك إن خرجت لن تراني إلى يوم القيامة.
وفي رواية : لم آمن عليك أن يخطفك بعضهم، ثم جلس وقرأ عليهم :﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ ()، أو سورة الرحمن، وسمعت لغطاً شديداً، حتى خفت على رسول الله، واللغط بالغين المعجمة والطاء المهملة اختلاط أصوات الكلام حتى لا يفهم وغشيته عليه السلام، ثم انقطعوا كقطع السحاب، فقال لي عليه السلام :"هل رأيت شيئاً"؟ قلت : نعم، رجالاً سوداً ؛ كأنهم رجال الزط وهم طائفة من السودان، الواحد منه زطي، فقال : أولئك جن نصيبين، قلت : سمعت منهم لغطاً شديداً، حتى خفت عليك إلى أن سمعتك تفرعهم بعصاك وتقول : اجلسوا ؛ أي : فما سببه، فقال :"إن الجن تداعت في قتيل قتل بينهم فتحاكموا إليّ، فحكمت بينهم بالحق".
وقال أبو الليث، فلما رجع إليه، قال : يا نبي الله، سمعت هدتين ؛ أي : صوتين.
قال عليه السلام : إما إحداهما، فإني سلمت عليهم وردوا عليّ السلام.
وأما الثانية : فإنهم سألوا الرزق، فأعطيتهم عظماً وأعطيتهم روثاً رزقاً لدوابهم ؛ أي : أن المؤمنين منهم لا يجدون عظماً ذكر اسم الله عليه إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل ولا روثة إلا وجد فيها حبها يوم أكلت أو يعود البعر خضراً لدوابهم.
ولهذا نهى عليه السلام عن الاستنجاء بالعظم والروث، وأما الكافرون منهم : فيجدون اللحم على العظم الذي لم يذكر اسم الله عليه.
وعن قتادة : لما أهبط إبليس، قال : أي رب لقد لعنته فما علمه، قال : السحر، قال : فما قراءته، قال : الشعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
در قيامت نرسد شعر بفرياد كسى
كر سراسر سخنش حكمت يونان كردد
قال : فما كتابته، قال : الوشم وهو غرز الإبر في البدن، وذر النيلج عليه، قال : فما طعامه؟ قال : كل ميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه ؛ أي : من طعام الإنس يأخذه سرقة، قال : فما شرابه؟ قال : كل مسكر، قال : فأين مسكنه؟ قال : الحمام، قال : فأين محله؟ قال : في الأسواق، قال : فما صوته، قال : المزمار، قال : فما مصايده؟ قال : النساء فالحمام أكثر محل إقامته والسوق محل تردده في بعض الأوقات.
والظاهر أن كل من لم يؤمن من الجن مثل إبليس فيما ذكر، قال في "إنسان العيون" في أكل الجان ثلاثة أقوال : يأكلون بالمضغ والبلع ويشربون بالازدراد ؛ أي : الابتلاع.
والثاني : لا يأكلون ولا
٤٨٨


الصفحة التالية
Icon