قال مالك بن أنس رضي الله عنه : من عد كلامه من عمله، قل كلامه، والتزم أربعة الدعاء للمسلمين بظهر الغيب وسلامة الصدر وخدمة الفقراء، وكان مع كل أحد على نفسه قال بعض الكبار : أنصت لحديث الجليس، ما لم يكن هجراً، فإن كان هجراً، فانصحه في الله إن علمت منه القبول، بألطف النصح، وإلا فالاعتذار في الانفصال، فإن كان ما جاء به حسناً، فحسن الاستماع، ولا تقطع عليه حديثه :
سخن را سرست اى خرد مندوبن
مياور سخن درميان سخن
خداوند تدبير وفرهنك وهوش
نكويت سخن تانبيند خموش
﴿قَالُوا يا قَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَـابًا أُنزِلَ مِنا بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يا قَوْمَنَآ أَجِيبُوا دَاعِىَ اللَّهِ وَءَامِنُوا بِه يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لا يُجِبْ دَاعِىَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى الارْضِ وَلَيْسَ لَه مِن دُونِه أَوْلِيَآءُا أولئك فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾.
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم﴾ بالأمر بالقتال ونحوه من التكاليف الشاقة إعلاماً لا استعلاماً أو نعاملكم معاملة المختبر ليكون أبلغ في إظهار العذاب.
﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَـاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّـابِرِينَ﴾ على مشاق الجهاد علماً فعلياً يتعلق به الجزاء.
وقد سبق تحقيق المقام بما لا مزيد عليه من الكلام.
﴿وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ﴾ الإخبار بمعنى المخبر بها ؛ أي : ما يخبر به عن أعمالكم، فيظهر حسنها وقبحها ؛ لأن الخبر على حسب المخبر عنه إن حسناً فحسن وإن قبيحاً فقبيح.
ففيه إشارة إلى أن بلاء الإخبار كناية عن بلاء الأعمال.
قال الكاشفي :(نامى از ماييم خبرها شمارا كه ميكوييد درايمان يعنى تاصدق وكذب آن همه آشكارا شود).
وكان الفضيل رحمه الله إذا قرأ هذه الآية بكى، وقال : اللهم لا تبلنا،
٥٢١
فإنك إن بلوتنا هتكت أستارنا وفضحتنا.
وفيه إشارة إلى أنه بنار البلاء يخلص إبريز الولاء.
قيل : البلاء للولاء كاللهب للذهب، فإن الابتلاء والامتحان نتبين جواهر الرجال، فيظهر المخلص ويفتضح المنافق، وعند الامتحان يكرم الرجل، أو يهان، والله تعالى عالم بخصائص جواهر الإنسان من الأزل إلى الأبد ؛ لأنه خلقها على أوصافها من السعادة والشقاوة، ألا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير وبتغير أحوال الجواهر في الأزمان المختلفة لا يتغير علم الله، فإنه تعالى يراهم في حالة واحدة، وتغيرات الأحوال كلها، كما هي بحيث لا يشغله حالة عن حالة، وإنما يبلو للإعلام والكشف عن حقيقة الحال.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٩٦
قال بعض الكبار : العارفون يعرفون بالأبصار ما تعرفه الناس بالبصائر، ويعرفون بالبصائر ما لم يدرك أحد في النادر، ومع ذلك، فلا يأمنون على نفوسهم من نفوسهم، فكيف يأمنون على نفوسهم من مقدورات ربهم؟ مما يقطع الظهور، وكان الشيخ عبد القادر الجبيلي قدس سره يقول : أعطاني الله تعالى ثلاثي عهداً وميثاقاً أن لا يمكر بي، فقيل له : فهل آمنت مكره بعد ذلك، فقال : حالي بعد ذلك كحالي قبل العهد، والله عزيز حكيم، فإذا كان حال العارف الواقف هكذا فما حال الجاهل الغافل، فلا بد من اليقظة :
بر غفلت سياه دلان خنده مى زند
غافل مشو زخنده دندان نماى صبح
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا﴾ ؛ أي : منعوا الناس ﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ؛ أي : عن دين الإسلام الموصل إلى رضا الله تعالى.
﴿وَشَآقُّوا الرَّسُولَ﴾ وعادوه وخالفوه وصاروا في شق غير شقه.
والمخالفة أصل كل شر إلى يوم القيامة.
﴿مِّنا بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ بما شاهدوا نعته عليه السلام في التوراة، وبما ظهر على يديه من المعجزات، ونزل عليه من الآيات، وهم قريظة والنضير، أو المطعمون يوم بدر وهم رؤساء قريش.
﴿لَن يَضُرُّوا اللَّهَ﴾ بكفرهم وصدهم ﴿شَيْـاًا﴾ من الأشياء يعني :(زيانى نتواند رسانيد خدا يرا جيزى يعنى از كفر ايشان اثر ضررى بدين خداى وبيغمبر او نرسد بلكه شرر آن شر بديشان عائد كردد).
أو شيئاً من الضرر، أو لن يضروا رسول الله بمشاقته شيئاً، وقد حذف المضاف لتعظيمه وتفظيع مشاقته.
﴿وَسَيُحْبِطُ﴾ السين لمجرد التأكيد ﴿أَعْمَـالَهُمْ﴾ ؛ أي : مكايدهم التي نصبوها في إبطال دينه تعالى ومشاقة رسوله، فلا يصلون بها إلى ما كانوا يبغون من الغوائل ولا يتم لهم إلا القتل كما لقريظة وأكثر المطعمين ببدر والجلاء عن أوطانهم كما للنضير.