حتى يضع رب العزة فيها قدمه أي الذين قدمهم من الأشرار فهم قدم الله للنار كما أن الأخيار قدمه إلى الجنة أو وضع القدم مثل للردع والقمع أي يأتيها أمر يكفها عن طلب المزيد انتهى كما قال في بحر العلوم وضع القدم على الشيء مثل للردع والكف وقال بعضهم : يضربها من جبروته بسوط إهانة ويستمرون بين دولتي الحر والزمهرير وعامة عذاب إبليس بالزمهرير لأنه ينقاض ما هو الغالب عليه في أصل خلقته وقال ابن ملك وضعها كناية عن دفعها وتسكين سورتها كما تقول وضعت رجلي على فلان إذا قهرته وفي الكواشي قدمه أي ما قدمه في قوله سبقت رحمتي على غضبي أي يضع رحمته انتهى أو المراد من القدم قوم مسمى بهذا الاسم وأيضاً المراد بالرجل جماعة من الناس وهو وإن كان موضوعاً لجماعة كثيرة من الجراد لكن استعارته لجماعة من الناس غير بعيدة ومنهم من يقول المراد به قدم بعض مخلوقاته أضافها إلى الله تعظيماً كما قال فنفخنا فيه من روحنا وكان النافخ جبريل وفي عين المعاني القدم جمع قديم كأديم وأدم أي على كل ما تقدم أو قوم قدمهم إلى النار ويروى قدمه بكسر القاف أي قوماً قدموا بني آدم في الدنيا وروي رجل وهو الجماعة من الناس وقيل قدمه أهل قدمه الذين لهم قدم صدق عند ربهم يعني العاصين من أهل التوحيد انتهى ومنهم من قال القدم اسم لقوم يخلقهم الله لجهنم قال القاضي عياض هذا أظهر التأويلات لعل وجهه أن أماكن أهل الجنة تبقى خالية في جهنم ولم ينقل أن أهلها يرثون تلك الأماكن ويقال لهم أن الله يختص بنقمته من يشاء كما يرث أهل الجنة أماكن أهل النار في الجنة غير جنة أعمالهم ويقال لهم أن الله يختص برحمته من يشاء وهذا من نتائج قوله تعالى سبقت رحمتي على غضبي فيخلق الله خلقاً على مزاج لو دخلوا به الجنة لعذبوا فيضعهم فيها فإن قلت إذ لائم مزاجهم النار فأنى يتصور التعذيب قلنا الموعود ملؤها لا تعذيب كل من فيها وقال بعض الأكابر ليس في النار دركات اختصاص الهي ولا عذاب اختصاص الهي من الله فإن الله ما عرفنا قط أنه اختص بنقمته من يشاء كما أخبرنا أنه يختص برحمته من يشاء فأهل النار معذبون بأعمالهم لا غير وأهل الجنة ينعمون بأعمالهم وبغير أعمالهم في جنات الاختصاص فلأهل السعادة ثلاث جنات جنة الأعمال كما لأهل الشقاوة جحيم الأعمال ولهم خاصة جنات الاختصاص وجنات الميراث وهي التي كانت لأهل النار لو دخلوا الجنة كما قال تعالى تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً وذلك أنه ما من شخص من الجن والإنس إلا وله في الجنة موضع وفي النار موضع وذلك لا مكانه الأصلي فإنه قبل كونه يمكن أن يكون له البقاء في العدم أو يوجد فمن هذه الحقيقة له قبول النعمة وقبول العذاب قال تعالى : ولو شاء لهداكم أجمعين أي أنتم قابلون لذلك ولكن حقت الكلمة وسبق العلم ونفذت المشيئة فلا راد لأمره ولا معقب لحكمه ولم يقل في أهل النار أنهم يرثون من النار أماكن أهل الجنة لو دخلوا النار وهذا من سبق الرحمة بعموم فضله سبحانه فما نزل من نزل في النار إلا بأعمالهم ولهذا يبقى فيها أماكن خالية وهي الأماكن التي لو دخلها أهل الجنة عمروها فيخلق الله خلقاً يعمرونها على مزاج لو دخلوا به الجنة لعذبوا وهو قوله عليه السلام ليضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط أي حسبي حسبي فإنه تعالى يقول لها : هل امتلأت وتقول هل من مزيد وقد قال للجنة والنار لكل واحدة منكما ملؤها فما اشترط
١٢٨
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩