وفي التأويلات النجمية كما نطقكم الله فتنطقون بقدرته بلا شك كذلك حق على الله أن يرزقكم ما وعدكم وإنما اختص التمثيل بالنطق لأنه مخصوص بالإنسان وهو أخص صفاته انتهى وفي الآية دليل للتوكل على الله وحث على طلب الحوائج منه وأحوالهم على رؤية الوسائط ولو كانوا على محل التحقيق لما أحالهم على السماء ولا على الأرض فإنه لو كانه السماء من حديد والأرض من نحاس فلم تمطر ولم تنبت وكان رزق جميع العباد على رقبة ولي من أولياء الله الكمل ما يبالي لأنه خرج من عالم الوسائط ووصل إلى صاحب الوسائط والله تعالى إنما يفعل عند الأسباب لا بالأسباب ولو رفع الأسباب لكان قادراً على إيصال الرزق فإنه إنما يفعل بأمركن وبيده الملكوت وهذا مقام عظيم فلما سلمت النفوس فيه من الاضطراب والقلق لعل الفتاح أدخلنا في دائرة الفتوح آمين وعن الأصمعي أقبلت في البصرة من الجامع بعد الجمعة فطلع أعرابي على قعود وهو بالفتح من الإبل ما يقتعده الراعي في كل حاجة فقال : من الرجل؟ قلت : من بني أصمع قال : من أين أقبل؟ قلت : من موضع يتلى فيه كلام الرحمن أي من بيت الله الحرام قال : اتل علي فتلوت والذاريات فلما بلغت قوله وفي السماء رزقكم قال : حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت دقيق فالتفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم فاستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح فقال : قد وجدنا ما وعد ربنا حقاً ثم قال : وهل غير هذا فقرأت فورب السماء والأرض إنه لحق فصاح وقال : يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الخليل حتى حلف لم يصدقوه بالقول حتى ألجأوه اليمين قالها ثلاثاً وخرجت معه نفسه نسأل الله التوكل والاعتماد ﴿هَلْ أَتَـاـاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾ تفخيم لشأن الحديث لأنه استفهام معناه التعجب والتشويق إلى استماعه ومثله لا يكون إلا فيما فيه فخامة وعظيم شأن وتنبيه على أنه ليس مما علمه رسول الله عليه السلام بغير طريق الوحي إذ هو أمي لم يمارس الخط وقراءته ولم يصاحب أصحاب التواريخ ففيه إثبات نبوته وقال ابن الشيخ الاستفهام للتقرير أي قد أتاك وقيل إن لم يأتك نحن نخبرك والضيف في الأصل مصدر ضافه إذا نزل به ضيفاً ولذلك يطلق على الواحد والجماعة كالزور والصوم وقد يجمع فيقال أضياف وضيوف وضيفان قال الراغب أصل الضيف الميل يقال ضفت إلى كذا وأضفت كذا إلى كذا والضيف من مال إليك نزولاً بك وصارت الضيافة متعارفة في القرى كانوا اثني عشر ملكاً منهم جبرائيل وميكائيل وزقائيل
١٦٠
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥
وتسميتهم ضعيفاً لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك ﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ صفة للضيف أي المكرمين عند الله بالعضمة والتأييد والاصطفاء والقربة والسفارة بين الأنبياء كما قال بل عباد مكرمون أو عند ابراهيم بالخدمة حيث خدمه بنفسه وبزوجته وأيضاً بطلاقة الوجه وتعجيل الطعام وبأنهم ضيف كريم لأن ابراهيم أكرم الخليقة وضيف الكريم لا يكون إلا كريماً وفي الحديث من آمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه قيل إكرامه تلقيه بطلاقة الوجه وتعجيل قراه والقيام بنفسه في خدمته وقد جاء في الرواية أن الله تعالى أوحى إلى ابراهيم عليه السلام أكرم أضيافك فأعد لكل منهم شاة مشوية فأوحى إليه أكرم فجعله ثوراً فأوحى إليه أكرم فجعله جملاً فأوحى إليه أكرم فتحير فيه فعلم أن إكرام الضيف ليس في كثرة الطعام فخدمهم بنفسه فأوحى إليه الآن أكرمت الضيف وقال بعض الحكماء لا عار للرجل ولو كان سلطاناً أن يخدم ضيفه وأيام ومعلمه ولا تعتبر الخدمة بالإطعام.
قال الشيخ سعدي :
شنيدم كه مرديست اكيزه يوم
شناسا ورهرو دراقصاى روم
من وند سالوك صحرا نورد
برفتيم قاصد بديدار مرد
سروشم هريك ببوسيد ودست
بتميكن وعزت نشاند ونشست
زرش ديدم وزرع وشاكر دورخت
ولي بي مروت وبى بردرخت
بخلق ولطف كرم رومرد بود
ولي ديكدانش قوي سرد بود
همه شب نبودش قرار وهجوع
زتسبيح وتهليل ومار از جوع
سحر كه ميان بست ودر باز كرد
همان لطف دوشنيه آغاز كرد
يكى بدكه شيرين وخوش طبع بود
كه باما مسافر دران ربع بود
مرا بوسه كفته بتصحيف ده
كه درويش را توشه ازبوسه به
بخدمت منه دست بر كفش من
مرا نان ده وكفش بر سربزن
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥