قال محمد بن حامد رحمه الله وكان جالساً عند أحمد بن حضرويه وهو في النزع وقد أتى عليه خمس وتسعون سنة هو ذا يفتح لي الساعة لا أدري أيفتح بالسعادة أم بالشقاوة وعن خلف بن سالم رحمه الله قال : قلت لأبي علي بن المعتوه : أين مأواك؟ قال : دار يستوي فيها العزيز والذليل قلت : وأين هذه الدار؟ قال : المقابر قلت : أما تستوحش في ظلمة الليل قال : إني أذكر ظلمة اللحود ووحشتهن فتهون علي ظلمة الليل قلت له : فربما رأيت في المقابر شيئاً تنكره قال : ربما ولكن في هول الآخرة ما يشغل عن هول المقابر ووجد مكتوباً على بعض القبور :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه
لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
يزيد بلاء كل يوم وليلة
ويبلى كما تبلى وأنت حبيب
كتاب روح البيان ج٩ متن
الهام رقم ١٨ من صفحة ١٦٨ حتى صفحة ١٧٩
﴿وَفِى ثَمُودَ﴾ أي وفي قوم صالح آيات أو وجعلنا فيهم آية ﴿إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا﴾ في انتفعوا بالحياة الدنيا ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ إلى وقت العذاب وهو آخر ثلاثة أيام : الأربعاء،
١٦٨
والخميس، والجمعة، فإنهم عقروا الناقة يوم الاربعاء وهلكوا بالصيحة يوم السبت وقد فسر بقوله تمتعوا في داركم ثلاثة أيام قيل : قال لهم صالح عليه السلام : تصبح وجوهكم غداً مصفرة وبعد غد محمرة واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب فكان كذلك وإنما تبدلت ألوانهم بما ذكر لأنهم كانوا كل يوم في الترقي إلى سوء الحال ولا شك أن الأبيض يصير أصفر ثم أحمر ثم أسود والسواد من ألوان الجلال والقهر وأيضاً لون جهنم فإنها سوداء مظلمة فعند الهلاك صاروا إلى لون جهنم لأنها مقرهم ونعوذ بالله منها ﴿فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ أي فاستكبروا عن الامتثال به وبالفارسية س سر كشيدند ازفرمان آفريد كار خود وبتدارك كارخود مشغول نكشتند.
يقال عتا عتواً وعتياً وعتياً استكبر وجاوز الحد فهو عات وعتي وأمر ربهم هو ما أمروا به على لسان صالح عليه السلام من قوله اعبدوا الله وقوله فذروها تأكل في أرض الله أو شأن ربهم وهو دينه أو صدر عتوهم عن أمر ربهم وبسببه كان أمر ربهم بعبادته وترك الناقة كان هو السبب في عتوهم كما في بحر العلوم والفاء ليست للعطف على قيل لهم فإن العتوا لم يكن بعد التمتع بل قبله وإنما هو تفسير وتفصيل لما أجمله في قوله وفي ثمود الخ فإنه يدل إجمالاً على أنه تعالى جعل فيهم آية ثم بين وجه الآية وفصلها قال في شرح الرضي إن الفاء العاطفة للجمل قد تفيد كون المذكور بعدها كلاماً مرتباً على ما قبلها في الذكر لأن مضمونها عقيب مضمون ما قبلها في الزمان ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّـاعِقَةُ﴾ قيل لما رأوا العلامات التي بينها صالحا من اصفرار وجوههم واحمرارها واسودادها عمدوا إلى قتله عليه السلام فنجاه الله إلى أرض فلسطين ولما كان ضحوة اليوم الرابع تحنطوا وتكفنوا بالانطاع فإتتهم صيحة جبريل عليه السلام كما صرح بها في قوله وأخذ الذين ظلموا الصيحة فهلكوا فالمراد بالصاعقة الصيحة لا حقيقتها وهي نار تنزل من السماء فتحرق ما أصابته وقيل : أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم وقال بعضهم : اهلكوا بالصاعقة حقيقة بأن جاءت نار من السماء فأهلكتهم جميعاً
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥
﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ إليها ويعاينونها لأنها جاءتهم معاينة بالبهار فينظرون من النظر بالعين وفيه ترجيح لكون المراد بالصاعقة حقيقة النار لأنها حين ظهرت رأوها بأعينهم والصيحة لا ينظر إليها وإنما تسمع بالأذن والظاهر أن الصاعقة لا تنافي أن يكون معها صيحة جبريل وقيل هو من الانتظار أي ينتظرون ما وعدوا به من العذاب حيث شاهدوا علامات نزوله من تغير ألوانهم في تلك الأيام ويقال سمعوا الصيحة وهم ينظرون أي يتحيرون ﴿فَمَا اسْتَطَـاعُوا مِن قِيَامٍ﴾ كقوله تعالى : فأصبحوا في دارهم جاتمين أي لاصقين بمكانهم من الأرض لا يقدرون على الحركة والقيام فضلاً عن الهرب فالقيام ضد القعود ﴿وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ﴾ بغيرهم كما لم يمتنعوا بأنفسهم قال في تاج المصادر الانتصار داد بستدن ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ أي وأهلكنا قوم نوح فإن ما قبله يدل عليه ويجوز أن يكون منصوباً باذكر المقدر ﴿مِّن قَبْلُ﴾ أي من قبل هؤلاء المهلكين ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَـاسِقِينَ﴾ خارجين عن الحدود فيما كانوا فيه من الكفر والمعاصي وهو علة لإهلاكهم.
واعلم أن الله تعالى قد أرسل الرسل وشرع الشرائع
١٦٩


الصفحة التالية
Icon