ولا أنفسهم ولا غيرهم وأصله أن يطعموني بياء المتكلم وهو بيان لكون شأنه تعالى مع عباده متعالياً عن أن يكون كسائر السادة مع عبيدهم حيث يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم وتهيئة أرزاقهم فإن منهم من يحتاج إلى كسب عبده في نيل الرزق ومنهم من يكون له مال وافر يستغنى به عن حمل عبده على الاكتساب لكنه يطلب من العبد قضاء حوائجه من طبخ الطعام وإصلاحه وإحضاره بين يديه وهو تعالى مستغن عن جميع ذلك ونفع العباد وغيره إنما يعود عليهم والمعنى ما أريد أن أصرفهم في تحصيل رزقي ولا رزقهم ولا في تهيئة بل أتفضل عليهم برزقهم وبما يصلحهم ويعيشهم من عندي فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتي وفي الآية تعريض بأصنامهم فإنهم كانوا يحضرون لها المأكل فربما أكلتها الكلاب ثم بالت على الأصنام ثم لا يصدهم ذلك وهذا لآية دليل على أن الرزق أعم من الأكل كما في تفسير المناسبات وقال بعضهم معنى أن يطعمون أن يطعموا أحداً من خلقي وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه كما جاء في الحديث يقول الله استطعمتك فلم تطعمني أي لم تطعم عبدي وذلك إن الاستطعام وسؤال الرزق يستحيل في وصف الله ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾ تعليل لعدم إرادة الرزق منهم وهو من قصر الصفة على الموصوف أي لأرزاق إلا الله الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق وفيه تلويح بأنه غني عنه ﴿ذُو الْقُوَّةِ﴾ على جميع ما خلق تعليل لعدم إرادته منهم أن يعملوا ويسعوا في أطعامه لأن من يستعين يغيره في أموره يكون عاجزاً لا قوة له ﴿الْمَتِينُ﴾ الشديد القوة لأن القوة تمام القدرة والمتانة شدتها وهو بالرفع على أنه نعت للرزاق أو لذو أو خبر يعد خبر.
وفي التأويلات النجمية أن الله هو الرزاق لجميع الخلائق ذو القوة المتين في خلق الأرزاق والمرزوقين وفي المفردات القوة تستعمل تارة في معنى القدرة وتارة للتهيىء الموجود في الشيء وتارة في البدن وفي القلب وفي المعاون من خارج وفي القدرة الإلهية وقوله ذو القوة المتين عام فيما اختص الله به من القدرة وما جعله للخلق انتهى.
يقول اللفقير : قد سبق أن القوة في الأصل عبارة عن شدة البنية وصلابتها المضادة للضعف والله تعالى منزه عن ذلك فهي في حقه تعالى بمعنى القدرة التامة ويجوز أن يعتبر قوي مظاهر أسمائه وصفاته أيا ما كانت والمتنان مكتنفا الصلب وبه شبه المتن من الأرض ومتنته ضربت متنه ومتن قوي متنه فصار ميتناً ومنه قيل حبل متين.
ودر ترجمة رشف در معنى قوى ومتين آورده قدرت قاهره اش دليل قوت بالغه كشسته وشدت قوتش حجت متانت قدرت شده نه دركار سازى متانتش رافتورى ونه در روزى وبنده نوازي قدرتش راقصورى :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥
رساند رزق بر وجهى كه شايد
بسازد كارها نوعى كه بايد
بروزى بى نوا يا نرا نوازد
برحمت بى كسانرا كارسازد
قال بعضهم رزق الله بالتفاوت رزق بعضهم الإيمان وبعضهم الإيقان وبعضهم العرفان وبعدهم وبعضهم البيان وبعضهم العيان فهؤلاء أهل اللطف والسعادة وبعضهم الخذلان وبعضهم الحرمان وبعضهم الطغيان وبعضهم الكفران فهؤلاء أهل القهر والشقاوة وقال بعضهم : اعتبروا باللبيب الطالب الأرزاق وحرمانه وبالطفل العاجز وتواتر الأرزاق عليه
١٨١
لتعلموا أن الرزق طالب وليس بمطلوب قال الإمام الغزالي رحمه الله في شرح الأسماء الرزاق هو الذي خلق الأرزاق والمرتزقة وأوصلها إليهم وخلق لهم أسباب التمنع بها والرزق رزقان ظاهر وهي الأقوات والأطعمة وذلك للظاهر وهي الأبدان وباطن وهي المعارف والمكاشفات وذلك للقلوب والأسرار وهذا أشرف الرزقين فإن ثمرتها حياة الأبد وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد والله تعالى هو المتولى لخلق الرزقين والمتفضل بالإيصال أنى كلا الفريقين ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وغاية حظ العبد من هذا الوصف أمران :
أحدهما أن يعرف حقيقة هذا الوصف وأنه لا يستحقه إلا الله تعالى فلا ينتظر الرزق إلا منه ولا يتوكل فيه إلا عليه كما روى عن حاتم الأصم أنه قال له رجل : من أين تأكل؟ فقال : من خزانته فقال الرجل يلقي عليك الخبز من السماء؟ لقال : لو لم تكن الأرض له لكان يلقيه من السماء فقال الرجل : أنتم تقولون الكلام فقال : لم ينزل من السماء إلا الكلام فقال الرجل : أنا لا أقوى لمجادلتك فقال : لأن الباطل لا يقوم مع الحق.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٤٥


الصفحة التالية
Icon