وفي القاموس الإمداد تأخير الأجل وإن تنصر الأجناد بجماعة غيرك والإعطاء والإغاثة ﴿بِفَـاكِهَةٍ﴾ هي الثمار كلها ﴿وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ﴾ وإن لم يصرحوا بطلبه والمعنى وزدناهم على ما كان من مبادي التنعم وقتا فوقتا مما يشتهون من فنون النعماء وضرور الآباء.
وذلك أنه تعالى لما قال وما ألتناهم ونفي النقصان يصدق بإيصال المساوي دفع هذا الاحتمال بقوله وأمددناهم أي ليس عدم النقصان بالاقتصار على المساوي بل بالزيادة على ثواب أعمالهم والإمداد وتنوين فاكهة للتكثير أي بفاكهة لا تنقطع كلما أكلوا ثمرة عاد مكانها مثلها وما في ما يشتهون للعموم لأنواع اللحمان وفي الحبر أنك لتشتهي الطير في الجنة فيخر بين يديك مشوياً وقيل يقع الطائر بين يدي الرجل في الجنة فيأكل منه قديداً ومشوياً ثم يطير إلى النهر ﴿يَتَنَـازَعُونَ فِيهَا﴾ نزع الشيء جذبه من مقره كنزع القوس من كبدها والتنازع والمنازعة المجازبة ويعبر بها عن المخاصمة والمجادلة والمراد بالتنازع هنا التعاطي والتداول على طريق التجاذب يعني تجاذب الملاعبة لفرط السرور والمحبة وفيه نوع لذة إذ لا يتصور في الجنة التنازع بمعنى التخاصم والمعنى يتعاطون في الجنات ويتداولون هم وجلساؤهم بكمال رغبة واشتياق كما ينبىء عنه التعبير بالتنازع وبالفارسية بايكديكر داد وستد كنند دربهشت يعني بهم دهند وازهم ستانند ﴿كَأْسًا﴾ كأسه مملو ازخمر بهشت.
والكأس قدح فيه شراب ولا يسمى كأساً ما لم يكن فيه شراب كما لا تسمى مائدة ما لم يكن عليها طعام والمعنى كأساً أي خمراً تسمي لها باسم محلها ولما كانت الكأس مؤنثة مهموزة أنث الضمير في قوله ﴿لا لَغْوٌ فِيهَا﴾ أي في شربها حيث لا يتكلمون في أثناء الشرب بلغوا الحديث وسقط الكلام قال ابن عطاء أي لغو يكون في مجلس محله جنة عدن والساقي فيها الملائكة وشربهم ذكر الله وريحانهم تحية من عند الله مباركة طيبة والقوم أضياف الله قال الراغب اللغو من الكلام ما لا يعتد به وهو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرا اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور ﴿وَلا تَأْثِيمٌ﴾ ولا يفعلون ما يأثم به فاعله أي ينسب إلى الإثم لو فعله في دار التكليف من الكذب والسب والفواحش كما هو ديدن المنادمين في الدنيا وإنما يتكلمون بالحكم وأحاسن الكلام ويفعلون ما يفعله الكرام لأن عقولهم ثابتة غير زائلة وذلك كسكارى المعرفة في الدنيا فإنهم إنما يتكلمون بالمعارف والحقائق.
قال البقلى : وصفهم الله في شربهم لكاسات شراب وصله بالمنازعة والشوق إلى مزيد القرب ثم وصف شرابهم أنه يورثهم التمكين والاستقامة في السكر لا يؤول حالهم إلى الشطح والعربدة وما
١٩٥
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤
يتكلم به سكارى المعرفة في الدنيا عند الخلق ولا يشابه حال أهل الحضرة حال أهل الدنيا من جميع المعاني ثم إنه قد يقع الأكل والشرب في المنام فيسري حكمه إلى الجسد لغلبة الروحانية كما قال بعض الكبار : العيش مع الله هو القوت الذي من أكله لا يجوزع وإليه أشار عليه السلام بقوله : إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني والمراد بذلك الشبع والري الذي يعود من ثمرة الأكل والشراب يعني يبيت جائعاً فيرى في منامه أنه يأكل فيصبح شبعاناً وقد اتفق ذلك لبعضهم بحكم الإرث وبقي رائحة ذلك الطعام حين استيقظ نحو ثلاثة أيام والناس يشمونها منه وأما غير النبي وغير الوارث فإذا رأى أنه يأكل استيقظ وهو جيعان مثل ما نام فصح قوله صلى الله عليه وسلّم أن المبشرات جزء من أجواء النبوة انتهى.
يقول الفقير : فرب شبعان في دعواه جيعان في نفس الأمر ألا ترى حال من أكل في منامه حتى شبع ثم استيقظ وهو جائع وكذلك حال أهل التلوين فإن من شرب شراراً من هذه المعرفة يقع في الدعاوى العريضة كما شاهدناه في بعض المعاصرين ولا يدري أن حاله بالنسبة إلى حال أهل التمكين كحال النائم فمن سكر من رائحة الخمر ليس كمن سكر من شرب نفسها فأين أنت من الحقيقة فاعرف حدك ولا نتعد طورك فإن التعدي من قبيل اللغو والتأثيم.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤