الرابع : الموت مبطوناً فإنه لا يعذب في قبره والمراد بالمبطون صاحب الإسهال والاستطلاق.
والخامس : الوقت ففي الحديث : من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وفي فتنة القبر نسأل الله سبحانه أن يعصمنا من الزلل ويحفظنا من الخلل ويجعلنا في القبر والقيامة من الآمنين ويبشرنا عند الموت برحمة منه وفضل مبين بجاه النبي الأمين والأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ بإمهالهم إلى يومهم الموعود وإبقائك فيما بينهم مع مقاساة الأحزان والشدائد ولا تكن في ضيق مما يمكرون.
يقول الفقير : أمر الله تعالى نبيه عليه السلام بالصبر لحكمه لا لأذى الكفار وجعفائهم تسهيلاً للأمر عليه لأن في الصبر لحكمه حلاوة ليست في الصبر للأذى والجفاء وإن كان الصبر له صبراً للحكم فاعرف ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ أي في حفظنا وحمايتنا بحيث نراقبك ونكلأك وجمع العين لجمع الضمير وًّلإيذان بغاية الاعتناء في الحفظ وبكثرة أسباره إظهاراً للتفاوت بين الحبيب والكليم حيث أفرد فيه العين والضمير كما قال ولتصنع على عيني.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤
وفي التأويلات النجمية أي : لا حكم في الأزل فإنه لا يتغير حكمنا الأزلي إن صبرت وإن لم تصبر ولكن إن صبرت على قضائي فقد جزيت ثواب الصابرين بغير حساب فإنك بأعيننا نعينك على الصبر لأحكامنا الأزلية كما قال تعالى : واصبر وما صبر إلا بالله وفي عرائس البيان للبقلي ذكر قوله ربك بالغيبة لأنه في مقام تفرقة العبودية والرسالة تقتضي حالة المشقة ولذلك أمره بالصبر ولما ثقل عليه الحال نقله من الغيبة إلى المشاهدة بقوله : فإنك بأعيننا أي نحفظك من الإعوجاج والتغير في جريان أحكامنا عليك حتى تصير مستقيماً بنا لنا فينا ونحن نراك بجمبع عيون الصفات والذات بنعت المحبة والعشق ننظر بها إليك شوقاً إليك وحراسة لك نحرسك بها حتى لا يغيرك غيرها من الحدثان عنا ونرفع بها عنك طوارق قهرنا فإنك في مواضع عيون محبتنا وأنت في أكناف لطفنا انظر كيف ذكر الأعين وليس في الوجوه أشرف من العيون ومن احتصن بالله كان في حفظه ومن كان في حفظه كان في مشاهدته ومن كان في مشاهدته استقام معه ووصل إليه ومن وصل إليه انقطع عما سواه ومن انقطع عما سواه عاش معه عيش الربانيين قال بعضهم : كنا مع ابراهيم بن أدهم قدس سره فأتاه الناس يا أبا إسحق إن الأسد وقف على طريقنا فأتى ابراهيم إلى الأسد وقال له : يا أبا الحارث إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به وإن لم تؤمر بشيء فتنح عن طريقنا فأدبر الأسد وهو يهمهم والهمهمة
٢٠٦
ترديد الصوت في الصدر فقال ابراهيم : وما على أحدكم إذا أصبح وأمسى أن يقول : اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واحفظنا بركنك الذي لا يرام واحرمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت ثقتنا ورجاؤنا وقال الخواص قدس سره : كنت في طريق مكة فدخلت إلى خربة بالليل وإذا فيها سبع عظيم فخفت فهتف بي هاتف أثبت فإن حولك سبعين ألف ملك يحفظونك يقول الفقير : يحتمل أن يكون هذا الحفظ الخواصي بسبب بعض الأدعية وكان يلازمه وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن من قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثلاث مرات وقرأ ثلاث آيات آخر سورة الحشر هو الله الذي لا إله إلا هو إلى آخر السورة حين يصبح وكل الله به سبعين ألف ملك يحرسونه وكذلك إذا قرأها حين يمسي وكل الله به سبعين ألف ملك يحرسونه ويحتمل أن يكون ذلك بسبب أن الخواص من أحباب الله والحبيب يحرس حبيبه كما روي أنه ينزل على قبر النبي عليه السلام كل صباح سبعون ألف ملك ويضربون أجنحتهم عليه ويحفظونه إلى المساء ثم ينزل سبعون ألفاً غيرهم فيفعلون به إلى الصباح كما يفعل الأولون وهكذا إلى يوم القيامة
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤


الصفحة التالية
Icon