ـ روي ـ إنه عليه السلام لم ير ضاحكاً بعد نزول هذه الآية وعن أبي هريرة رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية بكى أهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله عليه السلام حنينهم بكى معهم فبكينا لبكائه فقال عليه السلام : لا يلج النار من بكى من خشية الله ولا يدخل الجنة مصر على معصية الله ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ثم يغفر لهم.
ـ وروي ـ أن النبي عليه السلام نزل عليه جبريل وعنده رجل يبكي فقال له : من هذا؟ فقال : فلان فقال جبرائيل إنا نزن أعمال بني آدم كلها إلا البكاء فإن الله ليطفىء بالدمعة بحوراً من نيران جهنم وفي الحديث "إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا" وذلك فإن الحزن يؤدي إلى السرور والبكاء إلى الضحك.
قال الصائب :
منال أي ساكن بيت الحزن ازشم تاريكى
كه خواهد صيقلى كشت ازجمال روشن يوسف
وقال :
خنده كردن رخنه در قصر حيات افكندنست
خانه در بسته باشد تاغمين باشد كسى
﴿وَأَنتُمْ سَـامِدُونَ﴾ أي لاهون أو مستكبرون من سمد البعير في مسيره إذا رفع رأسه قال الراغب السامد اللاهي الرافع رأسه أو مغنون لتشغلوا الناس عن استماعه من السمود بمعنى الغناء على لغة حمير وكانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء واللهو ليشغلوهم عن الاستماع أو خاشعون جامدون من السمود بمعنى الجمود والخشوع والجملة حال من فاعل لا تبكون خلا أن مضمونها على الوجه الأخير قيد للمنفي والإنكار وارد على نفي البكاء والسمود معاً وعلى الوجوه الأول قيد للنفي والإنكار متوجه إلى نفي البكاء ووجود السمود والأول أو في بحق المقام فتدبر كما في الإرشاد الفاء لترتيب الأمر
٢٦٠
أو موجبه على ما تقرر من بطلان مقابلة القرآن بالإنكار واستهزاء ووجوب تلقيه بالإيمان مع كمال الخضوع والخشوع أي وإذا كان الأمر كذلك فاسجدوا لذي أنزله واعبدوه ولا تعبدوا غيره من ملك أو بشر فضلاً عن جماد لا يضر ولا ينفع كالأصنام والكواكب قال في عين المعاني فاسجدوا أي في الصلاة والأصح أنه على الانفراد وهي سجدة التلاوة انتهى وهذا محل سجود عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه صح عن رسول الله عليه السلام أنه سجد بالنجم يعني بعد تلاوته هذه السورة على قريش سجد وسجد معه المؤمن والمشرك والإنس والجن كما سبق وليس يراها مالك لما روى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قرأ على النبي عليه السلام والنجم فلم يسجد فيها.
قال الكاشفي : أين سجده دوازدهم است ازسجدات قرآني در فتوحات اين را سجده عبادت كفتندكه امر آلهى بذلت ومسكنت مقترنست بوى وجز سالكان طريقت عبادت وعبوديت بسر منزل سراين سخن نرسيده اند.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
وفي التأويلات النجمية : البقلى أي إذا قرب أيام الوصال فاشتاقوا وسارعوا في بذل الوجود ووضع الخدود على اتراب واعبدوا رب الأرباب لوجود كشف النقاب قال شيخي وسندي روح الله روحه في كتاب البرقيات له يعني اسجدواواعبدوا الله بالله لا بالنفس إذا سجدتم وعبدتم له بسجدة القالب بالانقياد وعبادته بالإذعان في مرتبة الشريعة وبسجدة القلب بالنفاء وعبادته بالاستهلاك في مرتبة الحقيقة حتى تكون سجدتكم وعبادتكم محض قربة إلى الله في المرتبة الأولى وصرف وصلة إلى الله في المرتبة الثانية وتكونوا من المقربين أولاً ومن الواصلين ثانياً هذا شأن عباد الله الموحدين المخلصين الفانين في الله الباقين بالله وأما طاعة من عداهم فبأنفسهم وهواهم لعدم تخلصهم من الشوائب النفسانية في مقام الشريعة ومن الشوائب الغيرية في مقام الحقيقة.
واعلم أن سجدة القالب وعبادته منقطعة لانقطاع سببها ومحلها وموطنها لأنها حادثة فانية زائلة وأما سجدة القلب وعبادته وهي فناؤه في الله أزلاً وأبداً بحسب نفسه وإن كان باقياً بالله بحسب تحلية الوجود فغير منقطعة بل هي دائمة لدوام سببها وباقية لبقاء محلها وموطنها أزلاً وأبداً والمقصود من وضع السجدة والعبادة القالبية هو الوصول إلى شهود السجدة والعبادة القلبية ولذا حبب إلى النبي عليه السلام ثلاث : الطيب والنساء والصلاة أما الأول فلأنه يوجد في نفسه ذوق الإنس والمحاضرة وأما الثاني فلأنه يوجد فيه ذوق القربة والوصلة وأما الثالث فلأنه يوجد فيه ذوق المكاشفة والمشاهدة وهذه الأذواق إنما يتحقق بها من الإنس من هو الإنسان الحقيقي المتحقق بسر الحضرة لأحدية والمتنور بنورالحضرة الواحدية وهو المنتفع بإنسانيته انتفاعاً تاماً وأما الإنسان الحيواني فلا حظ له من ذلك التحقق ولا نصيب له من هذا الانتفاع بل حظه ونصيبه إنما هو الشهوات الطبيعية والإنسان الأول في أعلى عليين والثاني في أسفل السافلين وبينهما بون بعيد كما بين الأوج والحضيض وبكمال علو الأول قد يستغنى عن الأكل والشرب كالملائكة بالأذواق الروحانية والتجليات الربانية وذلك مدة كثيرة كما وقع لبعضهم ولتمام تسفل الثاني يأكل كما تأكل الأنعام فلا
٢٦١


الصفحة التالية
Icon