أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها أي بالغ في غسلها ثم أعادها مكانها وقام الثاني وقال للأول تنح فقد أنجزت ما أمرك الله فدنا مني فأدخل يده في جوفي فانتزع قلبي وشقه باثني فأخرج منه علقة سوداء فرمى بها وقال : هذا حظ الشيطان أي محل غمزه ومحل ما يلقيه من الأمور التي لا تنبغي لأن تلك العلقة خلقها الله في قلوب البشر قابلة لما يلقيه الشيطان فيها فأزيلت من قلبه وبعض ورثته الكمل يقيىء دماً أسود محترقاً من نور التوحيد فيحصل به شرح الصدر وشق القلب أيضاً ولا يلزم من وجود القابل لما يلقيه الشيطان حصول الإلقاء بالفعل قبل هذا الشق فإنه عليه السلام معصوم على كل حال فإن قلت : فلم خلق الله هذا القابل في هذه الذات الشريفة وكان من الممكن أن لا يخلق فيها قلت لأنه من جملة الأجزاء الإنسانية فخلقت تكملة للخلق الإنساني ثم نزعت تكرمة له أي لأنه لو خلق خالياً عنها لم تظهر تلك الكرامة وفيه إنه يرد على ذلك ولادته عليه السلام من غير قلفة وهي جلدة الذكر التي يقطعها الخاتن وأجيب بالفرق بينهما لأن القلفة لما كانت تزال ولا بد من كل أحد مع ما يلزم على إزالتها من كشف العورة كان نقص الخلقة الإنسانية عنها عين الكمال قال عليه السلام : ثم حشا قلبي بشيء كان معه وهو الحكمة والإيمان ورده مكانه ثم ختمه بخاتم من نور يحيا الناظرون دونه وفي رواية أقبل الملك وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه ولا مانع من تعدد الختم فختم القلب لحفظ ما فيه وبين الكتفين مبالغة في حفظ ذلك لأن الصدر وعاؤه القريب وجسده وعاؤه البعيد وخص بين الكتفين لأنه أقرب إليه من القلب من بقية الجسد وهو موضع نفوذ خرطوم إبليس لأن العدو يجيىء من وراء ولذا سن الحجامة فيه ثم قال عليه السلام : أنا الساعة أجد برد الخاتم في عروقي ومفاصلي وقام الثالث فقال : تنحيا فقد أنجز تماماً أمر الله فيه فدنا مني وأمر يده على مفرق صدري إلى منتهى الشق فالتأم وأنا أنظر إليه وكانوا يرونه أثراً كأثر المخيط في صدره وهو أثر مرور يد جبريل ثم أنهضني من الأرض إنهاضاً لطيفاً ثم قال الأول الذي شق صدري : زنه بعشرة من أمته فوزنني فرجحتهم ثم قال : زنه بعشرين فرجحتهم ثم قال : زنه بمائة فرجحتهم ثم قال : زنه بألف فرجحتهم ثم قال دعه فلو وزنتموه بأمته كلهم لرجحهم.
يقول الفقير : هذا يدل على أنه عليه السلام كما أنه أفضل من كل فرد فرد من أفراد الموجودات فكذا أفضل من المجموع ولا عبرة بقول من قال في كونه أفضل من المجموع توقف لأنه جهل بشأنه العالي وأنه أحدية مجموع الأسماء الإلهية برزخيتها فاعرف قال عليه السلام : ثم انكبوا علي وقبلوا رأسي وما بين عيني وقالوا : يا حبيباه إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك وتركوني قاعداً في مكاني هذا وجعلوا يطيرون حتى دخلوا خلال السماء وأنا أنظر إليهم ولو شئت لأرينك موضع دخولهم.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
واعلم أن صدره الشريف شق مرار أمرة لإخراج حظ الشيطان كما مر لأنه لا يليق به وعند مجيىء الوحي لتحمل ثقله وعند المعراج لتحمل أسراره ففي شرح الصدر مراراً مزيد تقوية لباطنه وهذا الشرح معنوي لاكمال أمته ولا بد منه في حصول الفيض الإلهي يسره الله لي ولكم ثم إنه بقي هنا معنى آخر كما
٢٦٦
قاله البعض وهو أن انشقاق القمر مجاز عن وجوح الأمر ولا يبعد أن يحمل بيت المثنوي على ذلك وهو :
سايه خواب آرد ترا همون سمر
ون بر آيد شمس انشق القمر
أي وضح الأمر واستبان وذلك لأنه عند اقتراب الساعة ينكشف كل خفي ويظهر كل مستور ويستبين الحق من الباطل من كل وجه ويدل على هذا المعنى قوله عليه السلام : إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب فإن المراد وضوح الأمر في آخر الزمان وظهور حقيقته ولذا يصير الناس بحيث ينكشف لأدنى سالك منهم في مدة قليلة ما لم ينكشف للأمم الماضية في مدة طويلة وذلك لأن الله تعالى قال في حق يوم القيامة يوم تبلى السرائر فإذا قرب الزمان من ذلك اليوم يأخذ حكمه فيكون كشف الأمور أكثر والخفايا أظهر وقال البقلي رحمه الله : علم الله انتظار أرواح الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين والأولياء العارفين وجميع الصالحين كشف جماله وقرب وصاله والدخول في جواره فبشرهم الله تعالى بأنه مقرون بقدوم محمد عليه السلام فلما خرج بالنبوة شك فيه المشركون فأراهم الله صدق وعده بانشقاق القمر حتى يعرفوا أن الله تعالى يريد بالعالمين إتيان الساعة التي فيها كشوف العجائب وظهور الغرائب من آيات الله وصفاته وذاته.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢


الصفحة التالية
Icon