﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ﴾ تهويل لهما وتعجيب من أمرهما بعد بيانهما فليس فيه شائبة تكرار كما في الإرشاد وقال في برهان القرآن أعاد في قصة عاد فكيف كان عذابي ونذر مرتين لأن الأول في الدنيا والثاني في العقبى كما قال في هذه القصة لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وقيل الأول لتحذيرهم قبل هلاكهم والثاني لتحذير غيرهم بعد هلاكهم انتهى ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ الكلام فيه كالذي مر فيما سبق وفيه إشارة إلى أهل النفوس الأمارة فإنهم بواسطة انهماكهم في الشهوات الجسمانية احتجبوا عن الله وموائد كرمه فأرسل الله عليهم صرصر ريح أهوائهم الظلمانية وبدعهم الشيطانية في يوم نحوسة الاحتجاب وسلطها عليهم فسقطوا على أرض الهوان والخذلان كأنهم إعجاز نخل منقلع عن تخوم الأرض ساقط على وجه الأرض مثل أجساد جامدة بلا رؤوس نعوذ بالله من تجليات قهره وتسلط عذابه وغضبه في يومه وشهره فعلى العاقل أن يتذكر بهذه الذكرى ويعتبر بهذه الآية الكبرى :
و بركشته بختى در افتدبه بند
از ونيكبختان بكيرند ند
تويش از عقوبت در عفو كوب
كه سودى ندارد فغان زير وب
فلو آمن إيمان يأس أو تاب توبة يأس لم يقبل
فراشوا وبينى در صلح ياز
كه ناكه در توبه كردد فراز
مرو زير باركناه أي سر
كه حمال عاجز بود در سفر
كما ورد خفف الحمل فإن العقبة كؤود :
ى نيك مردان ببايد شتافت
كه هركين سعادت طلب كرد يافت
وليكن تودنبال ديوخسى
ندانم كه در صالحان كى رسى
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢
ثم إن سبب هلاك عاد بالريح اعتمادهم على قوتهم والريح أشد الأشياء قوة فاستأصلهم الله بها حتى يحصل الاعتبار لمن بعدهم من القرون فلا يعتمدوا على قواهم وفيه إشارة إلى أن الريح هو الهواء المتحرك فالخلاص من ذلك الهواء إٌّما هو بترك الهوى ومتابعة الهدى نسأل الله من فضله ذلك ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ أي الإنذارات والمواعظ التي سمعوها من صالح عليه السلام أو بالرسل فإن تكذيب أحدهم تكذيب للكل لاتفاقهم على الشرائع ﴿فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا﴾ أي كائناً من جنسنا وانتصابه بفعل يفسره ما بعده فأداة الاستفهام
٢٧٦
داخلة على الفعل وإن كان تقديراً كما هو الأصل ﴿وَاحِدًا﴾ أي منفرداً لاتبع له أو واحد من آحادهم لا من أشرافهم وتأخير هذه الصفة عن منا للتنبيه على أن كلاً من الجنسية والوحدة مما يمنع الاتباع ولو قدمت عليه لفاتت هذه النكتة ﴿نَّتَّبِعُهُ﴾ في أمره ﴿إِنَّآ إِذًا﴾ أي على تقدير اتباعنا له وهو منفرد ونحن أمة جمة وأيضاً ليس بملك لما كان في اعتقاد الكفرة من التنافي بين الرسالة والبشرية ﴿لَّفِى ضَلَـالٍ﴾ عن الصواب ﴿وَسُعُرٍ﴾ أي جنون فإن ذلك بمعزل عن مقتضى العقل وقيل كان يقول لهم إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق وسعر أي نيران جمع سعير فعكسوا عليه لغاية عتوهم فقالوا : إن اتبعناك كنا إذن كما تقول ﴿أَءُلْقِىَ الذِّكْرُ﴾ أي الكتاب والوحي ﴿عَلَيْهِ مِنا بَيْنِنَا﴾ وفينا من هو أحق بذلك والاستفهام للإنكار ومن بيننا حال من ضمير عليه أي أخص بالرسالة منفرداً من بين آل ثمود والحال أن فيهم من هو أكثر مالاً وأحسن حالاً ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ أي ليس الأمر كذلك بل هو كذا وكذا حمله بطره على الترفع علينا بما ادعاه وأشر اسم فاعل مثل فرح بمعنى خود سند وستيزنده وسبكسار.
وبابه علم والأشر التجبر والنشاط يقال فرس أشر إذا كان مرحاً نشيطاً ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ﴾ كيست.
فهو استفهام ﴿الْكَذَّابُ الاشِرُ﴾ حكاية لما قاله تعالى لصالح عليه السلام وعداً له ووعيداً لقومه والسين لتقريب مضمون الجملة وتأكيده والغد اليوم الذي يلي يومك الذي أنت فيه والمراد به وقت نزول العذاب في الزمان المستقبل لا يوم بعينه ولا يوم القيامة لأن قوله أنا مرسلوا الناقة استئناف لبيان مبادي الموعود حتماً والمعنى سيعلمون البتة عن قريب من الكذاب الأشر الذي حمله أشره وبطره على الترفع والتجبر أصالح أم من كذبه وفيه تشريف لصالح حيث أن الله تعالى سلب عنه بنفسه الوصف الذي أسنده إليه من الكذب والأشر فإن معناه لست أنت بكذاب أشر بل هم ﴿إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ﴾ مخرجوها من الهضبة التي سألوا والهضبة الجبل المنبسط على الأرض أو جبل خلق من صخرة واحدة أو الجبل الطويل الممتنع المنفرد ولا يكون إلا في حمر الجبال كما في القاموس.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٦٢