﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي الذي فعل ما ذكر من الأفاعيل البديعة رب مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما ومن قضيته أن يكون رب بينهما من الموجودات قاطبة يعني أن ذكر غاية ارتفاعهما وغاية انحطاطهما إشارة إلى أن الطرفين يتناولان ما بينهما كما إذا قلت في وصف ملك عظيم الملك له المشرق والمغرب فإنه يفهم منه أن له ما بينهما أيضاً.
قال في كشف الأسرار أحد المشرقين هو الذي تطلع منه الشمس في أطول يوم من السنة والثاني الذي تطلع منه في أقصر يوم وبينهما مائة وثمانون مشرقاً وكذا الكلام في المغربين وقيل أحد المشرقين للشمس والثاني للقمر وكذا المغربان وأما قول عليه السلام بن عمر رضي الله عنهما ما بين المشرق والمغرب قبلة يعني لأهل المشرق وهو
٢٩٤
أن تجعل مغرب الصيف على يمينك ومشرق الشتاء على يسارك فتكون مستقبل القبلة ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مما في ذلك في فوائد لا تحصى من اعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل في وقته إلى غير ذلك ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ أي أرسلهما من مرجت الدابة إذا أرسلتها وخليتها للرعي والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب وبالفارسية راه داد دو دريا راكه يكى خوش وشيرين ويكى تلخ وشور ﴿يَلْتَقِيَانِ﴾ حال من البحرين قريبة من الحال المقدرة أي يتجاوران ويتماس سطوحهما لا فصل في مرأى العين وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقه فتجري في خلافه فراسخ لا يتغير طعمها وقيل أرسل بحر فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبان منه قال سعدي المفتي وعلى هذا فقوله يلتقيان إما حال مقدرة إن كان المراد إرسالهما إلى المحيط أو المعنى اتحاد أصليهما إن كان المراد إرسالهما منه فلكل وجه ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ﴾ أي حاجز من قدرة الله أو من الأرض والبرزخ الحائل بين الشيئين ومنه سمي القبر برزخاً لأنه بين الدنيا والآخرة وقيل للوسوسة برزخ الإيمان لأنها طائفة بين الشيك واليقين ﴿لا يَبْغِيَانِ﴾ أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية مع أن شأنهما الاختلاط على الفور بل يبقيان على حالهما زماناً يسيراً مع أن شأنهما الاختلاط وانفعال كل واحد منهما عن الآخر على الفور أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما من الأرض لتكون الأرض بارزة يتخذها أهلها مسكناً ومهاداً فقوله لا يبغيان إما من الابتغاء وهو الطلب أي لا يطلبان غير ما قدر لهما أو من البغي وهو مجاوزة كل واحد منهما ما حد له ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ وليس من الرحرين شيء يقبل التكذيب لما فيه من الفوائد والعبر ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ اللؤلؤ الدر والمرجان الخرز الأحمر المشهور يقال يلقيه الجن في البحر وقال في خريدة العجائب اللؤلؤ يتكون في بحر الهند وفارس والمرجان ينبت في البحر كالشجر وإذا كلس المرجان عقد الزئبق فمنه أبيض ومنه أْمر ومنه أسود وهو يقوي البصر كحلاً وينشف رطوبة العين انتهى وقيل : اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٨٨
واعلم أنه إن أريد بالبحرين هنا بحر فارس وبحر الروم فلا حاجة في قوله منهما إلى التأويل إذ اللؤلؤ والمرجان بمعنييه يخرجان منهما لأن كلاً منهما ملح ولا عذب في البحار السبعة إلا على قول من قال في الآية يخرج من مالح بحري فارس والروم ومن عذب بحر الصين وفي بحر العلوم أن اللؤلؤ يخرج من بحر فارس والمرجان من بحر الروم يعني لا من كليهما وأن أريد بهما البحر الملح والبحر العذب فنسبة خروجهما حينئذ إلى البحرين مع أنهما إنما يخرجان من البحر الملح أو مع أنهما لا يخرجان من جميع البحر ولكن من بعضه كما يقال يخرج الولد من الذكر والأنثى وإنما تلده الأنثى وهو الأظهر أو لأنهما لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب وهذا يحتمل معنيين أحدهما أن الملتقى اسم مكان والخروج بمعنى الانتقال من الباطن إلى الظاهر فإنه قال الجمهور يخرج من الأجاج من المواضع التي يقع فيها الأنهار والمياه العذبة فناسب إسناد ذلك إليهما وهذا مشهور عند الغواصين والثاني أنه مصدر ميمي
٢٩٥


الصفحة التالية
Icon