﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَآنٌّ﴾ كالذي مر في نظيره في جميع الوجوه وقال بعضهم : أي قبل أصحاب الجنتين دل عليهم ذكر الجنتين قال في كشف الأسرار : كرر ذلك زيادة في التشويق وتأكيداً للرغبة وفيه أنه ليس بتكرير لأن الأول في أزواج المقربين وهذا في أزواج الأبرار قال محمد بن كعب : إن المؤمن يزوج ألف ثيب وألف بكر وألف حوراء ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ مع أنها ليست كنعم الدنيا إذ قد تطمث المرأة في الدنيا ثم يتزوجها آخر ثيباً فهن نعم باكورة فيا لها من طيب وصالها ويا لها من حسنها وبراعة جمالها لا يقدر أحد على حكايتها ولا يبلغ وصف إلى نهايتها والعقول فيها حيارى والقلوب سكارى ﴿مُتَّكِـاِينَ﴾ حال صاحبه محذوف يدل عليه الضمير في قبلهم ﴿عَلَى رَفْرَفٍ﴾ أما اسم جنس أو اسم جمع واحده رفرفة قيل هو ما تدلي من الأسرة من عالي الثياب أو ضرب من البسط أو الوسائد قال في المفردات : الرفرف ضرب من الثياب مشبه بالرياض انتهى ومن معاني الرفرف الرياض وكان بساط انوشروان ستين ذراعاً في ستين ذراعاً يبسط له في إيوانه منظوماً باللؤلؤ والجواهر الملونة على ألوان زهر الربيع وينشر إذا عدمت الزهور وفي القاموس الرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس وتبسط وفضول المحابس والفرش وكل ما فضل فثنى والفراش والرقيق من الديباج ﴿خُضْرٍ﴾ نعت لرفرف جمع أخضر والخضرة أحد الألوان بين البياض والسواد وهو إلى السواد أقرب فلهذا أسمى الأسود أخضر والأخضر أسود ﴿وَعَبْقَرِىٍّ﴾ عطف على رفرف والمراد الجنس ولذا وصف بالجمع وهو قوله :﴿حِسَانٌ﴾ حملاً على المعنى وهو جمع حسن والعبقري منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه اسم بلد كثير الجن فينسبون إليه كل شيء عجيب وقال قطرب : ليس هو من المنسوب بل هو بمنزلة كرسي وبختى قال في القاموس : عبقر موضع كثير الجن وقرية ثيابها في غاية الحسن والعبقري ضرب من البسط كالعباقرى انتهى وفي المفردات قيل هو موضع للجن ينسب ءليه كل نادر من إنسان وحيوان وثوب قال الله تعالى وعبقري حسان وهو ضرب من الفرش جعله الله مثلاً لفرش الجنة وفي التكملة عبقر اسم موضع يصنع فيه الوشى كانت العرب إذا رأت شيئاً نسبته ءليه فخاطبهم الله على عادتهم وفي فتح الرحمن العبقري بسط حسان فيها صور وغير ذلك والعرب إذا استحسنت شيئاً واستجادته قالت عبقري قال ابن عطية ومنه قول النبي عليه السلام : رأيت عمر بن الخطاب في المنام يسقي من بئر فلم أر عبقر يا يفرى فريه أي سيداً يعمل عمله وقيل : عبقر اسم رجل كان بمكة يتخذ الزرابي ويجيدها فنسب إليه كل شيء جيد حسن وبالفارسية وبساطي قيمتي درغايت نيكويى قوله تعالى في الأوليين متكئين على فرش بطائنها من استبرق وترك ذكر الظهارة لرفعة شأنها وخروجها عن كونها مدركة بالعقول والإفهام وفي الأخريين متكئين على رفرف خضر وعبقري وبه يعلم تفاوت ما بينهما وقيل الاستبرق ديباج والعبقري موشى والديباج أعلى من الموشى قال ابن الشيخ الرفرف فراش إذا استقر عليه الولي طار به من فرحه وشوقه إليه يميناً وشمالاً وحيثما يريده الولي.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٨٨
ـ وروي ـ في حديث المعراج أن رسول الله عليه السلام لما بلغ سدرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطار به إلى سيد العرش
٣١٤
فذكر عليه السلام أنه طار بي يخفضني ويرفعين حتى وقف بي على ربي ولما حان الانصراف تناوله فطار به خفضاً ورفعا يهوي به حتى أداه إلى جبريل فارفرف خادم بين يدي الله من جملة الخدم مختص بخواص الأمور في محل الدنو والقربة كما أن البراق دابة يركبها الأنبياء مخصوصة بذلك فهذا الرفرف الذي سخره لأهل الجنتين هو متكأهم وفرشهم يرفرف بالولي ويطير به على حافات تلك الأنهار وحيث يشاء من خيامه وأزواجه وقصوره انتهى وهذا التقرير على تقدير أن يكون دون من الدنو ومعنى من دونهما أرفع منهما كما لا يخفى ويدل عليه أن الرفرف أعظم خضرة من الفرش المذكورة في قوله متكئين على فرش ﴿فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ وقد هيأ لكم ما تتكئون عليه فتستريحون ﴿تَبَـارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ تنزيه وتقديس له تعالى فيه تقرير لما ذكر في السورة الكريمة من آلائه الفائضة على الأنام أي تعالى اسمه الجليل الذي من جملته ما صدرت به السورة من اسم الرحمن المنبىء عن إفاضة الآلاء المفصلة وارتفع عما يليق بشأنه من الأمور التي من جملتها جحود نعمائه وتكذيبها وإذا كان حال اسمه بملابسة دلالته عليه كذلك فما ظنك بذاته الأقدس الأعلى وقيل : الاسم بمعنى الصفة وقيل مقحكم مثل ثم اسم السلام عليكما أي ثم السلام عليكما قال في فتح الرحمن : وهذا الموضع مما أريد فيه بالاسم مسماه.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٨٨