وفيه إشارة إلى أنا إذا قدرنا على إنشاء النشأة الأولى البشرية الطبيعية الدنيوية مع عدم مادة من المواد الصفاتية فمن استعجز قردة الله فقد كفر ألا ترى إلى محرومي البداية مرزوقي النهاية مثل ابراهيم بن أدهم وفضيل بن عياض ومالك بن دينار وغيرهم قدس الله أسرارهم فإن الله تعالى أنشأهم نشأة أخرى ولو بعد حين ﴿أَفَرَءَيْتُمُ﴾ أخبروني وبالفارسية أخبار كنيد ﴿مَّا تَحْرُثُونَ﴾ أي تبذرونه من الحب وتعملون في أرضه بالسقي ونحوه والحرثة إلقاء البذر في الأرض وتهيئتها للزرع ﴿ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ﴾ تنبتونه وتردونه نباتاً يربو وينمو إلى أن يبلغ الغاية ﴿أَمْ نَحْنُ الزاَّرِعُونَ﴾ أي المنبتون لا أنتم والزرع الإنبات وحقيقة ذلك يكون بالأمور الإلهية دون البشرية ولذا نسب الحرث إليهم ونفى عنهم الزرع ونسبه إلى نفسه وفي الحديث "لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت فإن الزارع هو الله" والحاصل أن الحرث فعلهم من حيث أن اختيارهم له مدخل في الحرث والزرع خالص فعل الله فإن إنيات السنبل والحب لا مدخل فيه لاختيار العبد أصلاً وإذا نسب الزرع إلى العبد فلكونه فاعلاً للأسباب التي هي سبب الزرع والإنبات في الأسئلة المقحمة الأصح إن الحرث والزرع واحد كقوله تعالى : ولا تسقي الحرث فهلا أضاف الحرث إلى نفسه أيضاً والجواب أن إضافة الحرث إلينا إضافة الاكتساب وإضافته إلى نفسه إضافة الخلق والاختراع كقوله تعالى : وما رميت إذ رميت قال الحليمي يستحب لكل من ألقى في الأرض بذراً أن يقرأ بعد الاستعاذة أفرأيتم إلى قوله بل نحن محرومون ثم يقول الله الزارع والمنبت والمبلغ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارزقنا ثمره وجنبنا ضرره واجعلنا لأنعمك من الشاكرين ويقال إن هذا القول أمان لذلك الزرع من جميع الآفات الدود والجراد وغير ذلك وفي الآية امتنان ليشكروا على نعمة الزرع واستدلال بأن من قدر على الإنبات قدر على الإعادة فكما أنه ينبت الحب في الأرض وينبت بذر النطفة في الرحم فكذا ينبت من حب عجب الذنب في القبر فإن كلها حب وذلك لأن بذر النطفة وكذا عظم عجب الذنب شيء كخردلة كما
٣٣٢
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦
أسلفناه ﴿لَوْ نَشَآءُ﴾ لو للمضي وإن دخل على المضارع ولذا لا يحزمه فهو شرط غير جازم أي لو أردنا أي الزرع بمعنى المزروع ﴿حُطَـامًا﴾ الحطم كسر الشيء مثل الهشم ونحوه ثم استعمل لكل كسر متناه والمعنى هشيما أي يابساً متكسراً متفتتاً بعدما أنبتناه وصار بحيث طمعتم في حيازة غلاله وجمعها ﴿ظَلَمْتُمْ﴾ أي فصرتم بسبب ذلك ﴿تَفَكَّهُونَ﴾ تتعجبون من سوء حاله أثر ما شاهدتموه على أحسن ما يكون من الحال أو تندمون على ما فعلتم فيه من الاجتهاد وأنفقتم عليه أو تندمون على ما أصبتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه والتفكه التنقل بصنوف الفاكهة وقد استعير للتنقل بالحديث وقرىء تفكنون بالنون والتفكن التعجب والتفكر والتندم ومنه الحديث مثل العالم كمثل الحمة يأتيها البعداء ويتركها القرباء فبيناهم إذ غار ماؤها فانتفع بها قوم يتفكنون أي يتندمون والحمة العين الحارة من الحميم وهو الماء الحار يستشفى به الإعلاء والمرضى ﴿إِنَّا لَمُغْرَمُونَ﴾ حال من فاعل تفكهون أي قائلين إنا لملزمون غرامة ما أنفقنا والغرامة أن يلزم الإنسان ما ليس في ذمته وعليه كما في المغرب أو مهلكون بهلاك رزقنا أو بشؤم معاصينا من الغرام وهو الهلاك ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ حرمنا رزقنا أو محدودون لا مجدودون أي ممنوعون من الحد وهو المنع لا حظ لنا ولا جد ولا بخت ولو كنا مجدودين لما فسد علينا هذا.


الصفحة التالية
Icon