فإن يكن هناك اعتقاد التأثير منها فذلك كفر وإلا فمجرد التشاؤم لا يوجب الكفر خصوصاً إذا كان القول بطريق الاستدلال من الأمارات والأليق بحال المؤمن حمل مثل ذلك على التنبيهات الإلهية فإنفي كل شيء حكمة لا القطع على المقدورات والجزم فيما لا يبلغ علمه كنهه فإن الله يحيي ويميت ويوقظ وينيم بأسباب وبغيرها ﴿فَلَوْلا﴾ س را ﴿إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ لولا للتحضيض لإظهار عجزهم وإذا ظرفية والحلقوم مجرى الطعام وفي كشف الأسرار مجرى النفس والبلعوم مجرى الطعام أي فهلا إذا بلغت النفس أي الروح أو نفس أحدكم وروحه الحلقوم وتداعت إلى الخروج وهو كناية عن غير مذكور وفي الحديث "أن ملك الموت له أعوان يقطعون العروق ويجمعون الروح شيئاً فشيئاً حتى ينتهي بها إلى الحلقوم فيتوفاها ملك الموت" ﴿وَأَنتُمْ﴾ الواو للحال من فاعل بلغت أي والحال أنتم أيها الحاضرون حول صاحبها ﴿حِينَـاـاِذٍ﴾ آن هنكام ﴿تَنظُرُونَ﴾ إلى ما هو فيه من الغمرات ولكن تعطف عليه ووفور رغبة في إنجائه من المهالك ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ﴾ أي إلى المحتضر علماً وقدرة وتصرفاً قال بعضهم : عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب الاطلاع ﴿مِنكُمْ﴾ حيث لا تعرفون حاله إلا ما تشاهدونه من آثار الشدة من غير أن تقفوا على كنهها وكيفيتها وأسبابها ولا أن تقدروا على دفع أدنى شيء منها ونحن المتولون لتفاصيل أحواله بعلمنا وقدرتنا أو بملائكة الموت الذين يقبضون روحه ﴿وَلَـاكِن لا تُبْصِرُونَ﴾ لا تدركون كنه ما يجري عليه لجهلكم بشؤوننا فقوله : لا تبصرون من البصيرة لا من البصر
٣٣٩
والأقرب تفسيره بقوله : لا تدركون كوننا أعلم به منكم كما في حواشي سعدي المفتي قال البقلي رحمه الله : قرب الله بالتفاوت قرب بالعلم وقرب بالإحاطة وقرب بالفعل وقرب بالصفة وقرب بالقهر وقرب باللطف والمسافة والمكان منفي على ذاته وصفاته ولكن يتجلى لقلوب من عين العظمة لإذابتها برؤية القهر ولقلوب من عين الجمال ليعرفها الاصطفائية وذلك القرب لا يبصره إلا أهل القرب وشواهده ظاهرة لأهل المعرفة وفي الخطاب تحذير وترهيب ﴿فَلَوْلا﴾ بمعنى هلا ﴿إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦
أي غير مربوبين مملوكين أذلاء من دان السلطان رعيته إذا ساسهم واستعبدهم وفي المفردات أو غير مجزيين فإن الدين الجزاء أيضاً وهو ناظر إلى قوله تعالى نحن خلقناكم فلولا تصدقون فإن التحضيض يستدعي عدم المحض عليه حتماً ﴿تَرْجِعُونَهَآ﴾ أي النفس إلى مقرها وتردون روح ميتكم إلى بدنه من الرجع وهو الرد العامل في إذا والمحضض عليه بلولا الأولى والثانية مكررة للتأكيد وهي مع ما في حيزها دليل جواب الشرط والمعنى إن كنتم غير مربوبين كما ينبىء عنه عدم تصديقكم بخلقنا إياكم فهلا ترجعون النفس إلى مقرها عند بلوغها الحلقوم ﴿إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ في اعتقادكم فإن عدم تصديقهم بخالقيته تعالى لهم عبارة عن تصديقهم بعدم خالقيته تعالى بموجب مذهبهم أي فإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أنا لأمر إلى غيركم وهو الله تعالى فآمنوا به وهو تكرير للتأكيد لا من اعتراض الشرط إذ لا معنى له هنا ﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ هو قرب درجاتهم من العرش لا من الله من حيث الجهة حسبما قال به الحشوية وهو شروع في بيان حال المتوفي بعد الممات أثر بيان حاله عند الوفاة أي فأما إن كان المتوفي من المقربين وهم أجل الأزواج الثلاثة ﴿فَرَوْحٌ﴾ أي فله استراحة وقرىء بضم الراء وفسر بالرحمة لأنها سبب لحياة المرحوم فإطلاقه على الرحمة استعارة تصريحية وبالحياة الدائمة التي لا موت فيها قال بعضهم : الروح يعبر به عن معان فالروح روح الأجسام الذي يقبض عند الممات وفيه حياة النفس والروح جبرائيل لأنه كان يأتي الأنبياء بما فيه حياة القلوب وعيسى روح الله لأنه كان من نفخ جبرائيل وأصيل إلى الله تعظيماً وكلام الله روح لأنه حياة من الجهل وموت الكفر ورحمة الله روح كقوله تعالى : وأيدهم بروح منه أي برحمة والرح الرزق لأنه حياة الأجساد وفي القاموس الروح بالضم ما فيه الروح ما به حياة الأنفس وبالفتح الراحة والرحمة ونسيم الريح ووكان روحاني طيب والروحاني بالضم ما فيه الروح وفي كتاب الملل والنحل الروحاني بالضم من الروح والروحاني بالفتح من الروح والروح والروح متقاربان فكأن الروح جوهر والروح حالته الخاصة به انتهى ﴿وَرَيْحَانٌ﴾ ورزق أو هو ما يشم وعن أبي العالية لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى ببعض من ريحان الجنة فيشمه ثم يقبض روحه وقال الزجاج الريحان هنا التحية لأهل الجنة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣١٦


الصفحة التالية
Icon