بل بالمعية المذوقة بالذوق الكشفي الشهودي أي أنا معكم بحسب مراتب شهوداتكم إن كنتم في مشهد الفعلي فأنا معكم بالتجلي الذاتي ما أتقدم ولا أتأخر عنكم وقال بعض الكبار : تلك المعية ليست هي مثل ما يتوصر بالعقل حساً أو ذهناً أو خيالاً أو وهماً تعالى شأنه عن ذلك علواً كبيراً وإنما هي معية تفرد الحق سبحانه بعينها وتحققها وعلمها لا يعلم سرها إلا الله ومن أطلعه عليه من الكمل ويحرم كشفها ترحماً على العقول القاصرة عن درك الأسرار الخفية كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : أبهموا ما أبهم الله وبينوا ما بين الله يعني إذا اقتضى المقام الإبهام كما إذا طلب بيان المبهم على ما هو عليه في نفسه وعقل الطالب قاصر عن دركه فلا جرم أنه حرام لما فيه من هلاكه وأما إذا طلب بيان المبهم لا على ما هو عليه في نفسه بل على وجه يدركه عقله يضرب تأويل يستحسنه الشرع ففيه رخصة شرعية اعتبرها المتأخرون دفعاً لانقلاب قلب الطالب وترسيخاً على عقيدته حتى تندلع عن صدره الوساوس والهواجس والمراد على هذا إما معية حفظه أو معية أمره أو غير ذلك مما لا اضطراب فيه لا شرعاً ولا عقلاً ولا خارجاً والأين المذكور في الآية متناول لجميع الأينات الأزلية والأبدية من المعنوية والروحانية والمثالية والحسية والدنيوية والبرزخية والنشرية والحشرية والنيرانية والجنانية والغيبية والشادية مطلقاً كلية كانت أو جزئية وهذه لأينية كالمعية من المبهمات والمتشابهات وما يعلم تأويلها إلا الله وما يتذكر سرها الأولوا الألباب قال بعضهم في هذه الآية بشارة للعاشقين حيث هو معهم أينما كانوا وتوفيق للمتوكلين وسكينة للعارفين وبهجة للمحبين ويقين للمراقبين ورعاية للمقبلين وإشارة إلى سر الوحدة للموحدين قال الحسين رحمه الله : ما قارب الحق الأكوان ولا فارقها كيف يفارقها وهو موجودها وحافظها وكيف يقارب القدم الحدوث به قوام الكل وهو بائن عن الكل انتهى ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فيجازيكم عليه ثواباً وعقاباً وهو عبارة عن إحاطته بأعمالهم فتأخيره عن الخلق لما أن المراد ما يدور عليه الجزاء من العلم التابع للمعلوم لا لما قيل من أن الخلق دليل على العلم فبالخلق يستدل على العلم والدليل يتقدم على المدلول وفي الآية إيقاظ للغافين وتنشيط للمتيقظين ودلالة لهم على الخشية والحياء من رب العالمين وإشارة لهم إلى أن أعمالهم محفوظة وأنهم مجزيون بها إن خيراً فخير وإن شراً فشر قال بعض الكبار : والله بما تعملون بصير لأنه العامل بكم وفيكم ولا بد لكل عامل أن يبصر عمله وما يتعلق به
٣٥٢
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤