والمراد بالآية نفي الأسى المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاختيال ولذا عقب بقوله تعالى :﴿وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ فإن من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها لا محالة والمختال المتكبر المعجب وهو من الخيلاء وهو التكبر من تخيل فضيلة تتراءى للإنسان من نفسه ومنها يتأول لفظ الخيل لما قيل إنه لا يركب أحد فرساً إلا وجد في نفسه نخوة وبالفارسية وخداى تعالى دوست ندارد هر متكبري راكه بر نعمت دنيا برديكرى تطاول كند فخور نازنده بدنيا وفخر كننده بدان برا كفاه واقران.
قال في بحر العلوم : المختال ذو الخيلاء والكبر وهو من العام المخصوص بدليل قول النبي عليه السلام إن من الخيلاء ما يحبها الله ومنها ما يبغضها الله أما الخيلاء التي يحبها الله فالاختيال عند الصدقة واختيال الرجل بنفسه عند اللقاء وأما الخيلاء التي يبغضها الله فالاختيال في البغي والفجور أي لا يحب كل متكبر بما أوتي من الدنيا فخور مبالغ في الفخر به على الناس انتهى وصف بعض البلغاء متكبراً فقال : كأن كسرى حامل غاشيته وقارون وكيل نفقته وبلقيس إحدى دايانه وكأن يوسف لم ينظر إلا بمقلته ولقمان لم ينطق إلا بحكمته وكأن الخصراء له عرشت والغبراء باسمه فرشت وفي تخصيص التذييل بالنهي عن الفرح المذكور إيذان بأنه أقبح من الأسى وفي الآية إشارة إلا أنه يلزم أن يثبت الإنسان على حال في السراء والضراء فإن كان لا بد له من فرح فليفرح شكراً على عطائه لا بطراً وإن كان لا بد من حزن فليحزن صبراف على قضائه لا ضجراً قال قتيبة بن سعيد : دخلت على بعض أحياء العرب فإذا أنا بفضاء مملوء من الإبل الميتة بحيث لا تحصى ورأيت شخصاً على تل يغزل صوفاً فسألته فقال : كانت باسمي فارتجعها من أعطاها ثم أنشأ يقول :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤
لاو الذي أنا عبد من خلائقه
والمرء في الدهر نصب الرزء والمحن
٣٧٦
ما سرني أن أبلى في مباركها
وما جرى من قضاء الله لم يكن
قال البقلي قدس سره : طالب الله بهذه الآية أهل معرفته بالاستقامة والاتصاف بصفاته أي كونوا في المعرفة بأن لا يؤثر فيكم الفقدان والوجدان والقهر واللطف والاتصال والانفصال والفراق والوصال لأن من شرط الاتصاف أن لا يجري عليه أحكام التلوين والاضطراب في اليقين والاعوجاج في التمكين قال القاسم رحمه الله : ولا تأسوا على ما فاتكم من أوقاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم من توبتكم وطاعتكم فإنك لا تدري ما قدر الله فيك وقضى وقال الواسطي رحمه الله : الفرح بالكرامات من الاغترارات والتلذذ بالأفضال نوع من الإغفال والخمود تحت جريان الأمور زين لكل مأمور وقال شيخي وسندي رحمه الله في كتاب اللائحات والبرقيات لا تحزنوا بما فاتكم مما سوى الله ولا تفرحوا بما آتاكم مما عدا الله حتى لا تظلموا الحزن والفرح بوضعهما في غير موضعهما واحزنوا بما فاتكم من الله وافرحوا بما آتاكم من الله حتى تعدلوا فيهما بوضعهما في موضعهما لأن الله تعالى حق وما خلاه باطل فكما أن الحزن والفرح بالحق حق وعدل لهما والفاعل للحق محق وعادل فكذلك أن الحزن والفرح بالباطل باطل وظلم لهما والفاعل بالباطل مبطل وظالم ولا يفرح ولا يحزن بالله إلا المهاجرون إلى الله ولا يحزن ولا يفرح بما سوى الله إلا المعرضون عن الله فعليك بسبيل العادلين في جميع أحوالك وإياك وطريق الظالمين ومما سوى الله المال والملك قال الحسن رضي الله عنه لصاحب المال في ماله مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما يسلب عن كله ويسأل عن كله :
همه تخت وملكى ذيرد زوال
بجز ملك فرمان ده لا يزال
هنر بايد وفضل ودين وكمال
كه كاه آيدوكه رود جاه ومال
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٤٤


الصفحة التالية
Icon