تعديها وشرائعه الموضوعة لعباده التي لا يصح تجاوزها إلى ما يخالفها جمع حد وهو في اللغة المنع والحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر وحد الزنى وحد الخمر سمي بذلك لكونه مانعاً لمتعاطيه عن المعاودة لمثله وجميع حدود الله على أربعة أضرب أماشي لا يجوز أن يتعدى بالزيادة عليه وإلا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض وإما شيء يجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان منه وإما شيء يجوز النقصان منه ولا يجوز الزيادة عليه وإما شيء يجوز الزيادة عليه والنقصان منه كما في المفردات ﴿وَلِلْكَـافِرِينَ﴾ أي الذين لا يعملون بها ولا يقبلونها ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ عبر عنه بذلك للتغليظ على طريقة قوله تعالى : ومن كفر فإن الله غني عن العالمين يعني أن إطلاق الكفر لتأكيد الوجوب والتغليظ على تارك العمل لا لأنه كفر حقيقة كما يزعمه الخوارج قال بعضهم في قوله عليه السلام : من ترك الصلاة فقد كفر أي قارب الكفر يقال : دخل البلدة لمن قاربها قال في برهان القرآن قوله وللكافرين عذاب أليم وبعده وللكافرين عذاب مهين لأن الأول متصل بضده وهوا لإيمان فتوعدهم على الكفر العذاب الأليم هو جزاء الكافرين والثاني متصل بقوله كبتوا وهو الإذلال والإهانة فوصف العذاب مثل ذلك فقال : وللكافرين عذاب مهين انتهى والأليم بمعنى المؤلم أي الموجع كالبديع بمعنى المبدع أو بمعنى المتألم لكن أسند مجازاً إلى العذاب مبالغة كأنه في الشدة بدرجة تتألم بها نفسه وفي إثبات العذاب للكافرين حث للمؤمنين على قبول الطاعة ولما نزلت هذه الآيات الأربع تلاها عليه السلام فقال لأوس بن الصامت رضي الله عنه : هل تستطيع عتق رقبة قبل إذن يذهب جل مالي؟ قال : فصيام شهرين متتابعين قال : يا رسول الله إذا لم آكل اليوم ثلاث مرات كل بصري وخشيت أن تعشو عيني قال : فإطعام ستين مسكيناً قال : لا إلا أن تعينني عليه قال : أعينك بخمسة عشر صاعاً وأنا داع لك بالبركة وتلك البركة بقيت في إله كما في عين المعاني.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
يقول الفقير في وجوه الأحكام المذكورة إما وجه العتق فلان العاصي استحق النار بعصيانه العظيم فجعل عتق المملوك فداء لنفسه من النار كما قال عليه السلام : من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار ودل تقييد الرقبة بالمؤمنة على أفضلية إعتاق المؤمن وأيضاً إن ثمن العبد أكثر غالباً من فدية الإطعام والمال يعد من النفس لشدة علاقة النفس به ففي بذله تخليص لها من رذيلة البخل وتنحية لها عن النار وأما الوجه في الصيام فلأن الأصل فيه صيام شهر رمضان وهو ثلاثون يوماً ففي صيام ستين يوماً تضعيف المشقة وتشديد المحنة على النفس وأما الوجه في إطعام المساكين إما في نفس الإطعام فلأن الصوم التخلق بوصف الصمدية فإذا فات عنه ذلك لزوم المعالجة بضده وهو الإطعام لأن في بذل المال إذابة النفس كما في الصوم ومن هذا يعرف سر التنزيل من الرقبة إلى الصوم ثم منه إلى الإطعام وإما في عدد المساكين فلأن الإطعام بدل من الصيام وخلف له فروعي فيه من العدد ما روي في الصيام ويجوز أن يقال إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من ستين نوعاً من طبقات الأرض فأمر بإطعام ستين مسكيناً من أولاد آدم حتى تقع المكافأة لجميع أولاده لأنه لا يخرج أحد
٣٩٥
منهم عن هذه الستين نوعاً وأيضاً سر العدد كون عمر هذه الأمة بين الستين والسبعين فمن راعى العدد فكأنما عبد الله ستين سنة التي هي مبلغ عمره ومنتهى أمده بحسب الغالب فيتخلص من النار ولكن فيه إشارة إلى فضيلة الوقت فإنه إذا فات العمل من محله لا يخير بالقضاء بكماله الأولى بل يصير ساقطاً عن درجة الكمال الأولى بستين درجة ولذا وجب صيام ستين وإطعامها.
قال المولى الجامي :
هردم از عمر كرامى هست كنج بي بدل
ميرود كنجى نين هر لحظه برباد آخ آخ
وقال الشيخ سعدي :
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف
كه فرصت عزيز ست والوقت سيف
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨