﴿يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ مفعوله الثاني أو إلى واحد بأن كان بمنى صادف فهو حال من مفعوله لتخصيصه بالصفة وهو يؤمنون والموادة المحابة مفاعله من المودة بمعنى المحبة وهي حالة تكون في القلب أولاً ويظهر آثارها في القالب ثانياً والمراد بمن حاد الله ورسوله المنافقون واليهود والفساق والظلمة والمبتدعة والمراد بنفي الوجدان نفي الموادة على معنى أنه لا ينبغي أن يتحقق ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال وإن جد في طلبه كل أحد وجعل ما لا ينبغي وجوده غير موجود لشركته في فقد الخير ويجوز أن يقال لا تجد قوماً كاملي الإيمان على ما يدل عليه سياق النظم فعدم الوجدان على حقيقته قال في كشف الأسرار أخبر أن الإيمان يفسد بموادة الكفار وكذا بموادة من في حكمهم وعن سهل بن عبد الله التستري قدس سره : من صحح إيمانه وأخلص توحيده فإنه لا يأنس إلى مبتدع ولا يجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه ويظهر من نفسه العداوة والبغضاء ومن داهن مبتدعاً سلبه الله حلاوة السنن ومن تحبب إلى مبتدع لطلب عز في الدنيا أو عرض منها أذله الله بتلك العزة وأفقره الله بذلك الغنى ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله نور الإيمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب وأما المعاملة للمبايعة العادية أو للمجاورة أو للمرافقة بحيث لا تضر بالدين فليست بمحرمة بل قد تكون مستحبة في مواضعها قال ابن الشيخ المعنى لا يجتمع الإيمان مع ودادة أعداء الله فإن قيل اجتمعت الأمة على أن يجوز مخالطتهم ومعاملتهم ومعاشرتهم فما هذه الموادة المحرمة فالجواب أن الموادة المحرمة هي إرادة منافعه ديناً ودنيا مع كونه كافراً وما سوى ذلك جائز.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
ـ روي ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه كان يقول : اللهم لا تجعل لفاجر عندي نعمة فإني وجدت فيما أوحى إلي لا تجد قوماً الخ فعلم منه أن الفساق وأهل الظلم داخلون فيمن حاد الله ورسوله أي خالفهما وعاداهما واستدل مالك بهذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم وهم القائمون بنفي كون الخير والشر كله بتقدير الله ومشيئته يعني هم الذين يزعمون أن كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله وسموا بذلك لمبالغتهم في نفيه وكثرة مدافعتهم إياه وقيل لإثباتهم للعبد قدرة الإيجاد وليس بشيء لأن المناسب حينئذ القدري بضم القاف ﴿وَلَوْ كَانُوا﴾ أي من حاد الله ورسوله وبالفارسية واكر ه باشند از مخالفان خدا ورسول.
والجمع باعتبار معنى من كما أن الأفراد فيما قبله باعتبار لفظها ﴿ءَابَآءَهُمْ﴾ أي آباء الموادين ﴿أَوْ أَبْنَآءَهُمْ﴾ قدم الأقدم حرمة ثم الأحكم محبة ﴿أَوْ إِخْوَانَهُمْ﴾ نسباً ﴿أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ العشيرة أهل الرجل الذين يتكثر بهم أي يصيرون بمنزلة العدد الكامل وذلك أن العشرة هو العدد الكامف لصار العشيرة لكل جماعة من أقارب الرجل يتكثر بهم والعشير المعاشر قريباً أو معارفاً وفي القاموس عشيرة الرجل بنوا أبيه إلا دنون أو قبيلته انتهى يعني أن المؤمنين المتصلبين في الدين لا يوالون هؤلاء الأقرباء بعد أن كانوا محادين الله ورسوله فكيف بغيرهم فإن قضية الإيمان بالله أن يهجر الجميع بالكلية بل أن يقتلهم ويقصدهم بالسوء كما روى أن أبا عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر وأن عبد الله بن أبي بن سلول جلس إلى جنب رسول الله عليه السلام
٤١٢
فشرب رسول الله الماء فقال عبد الله رضي الله عنه : يا رسول الله ابق فضلة من شرابك قال : فما تصنع بها فقال : اسقيها أبى لعل الله يطهر قلبه ففعل فآتاها أباه فقال : ما هذا؟ قال : فضلة من شراب رسول الله جئتك بها لتشربها لعل الله يطهر قلبك فقال له أبوه : هلا جئتني ببول أمك فرجع إلى النبي عليه السلام فقال : يا رسول الله ائذن لي في قتل أبي فقال عليه السلام : بل ترفق به وتحسن إليه وأن أبا قحافة قبل أن أسلم سب النبي عليه السلام فصكه أبو بكر رضي الله عنه صكة أي ضربه ضربة سقط منها فقال عليه السلام : أوفعلته قال : نعم قال : فلا تعد إليه قال : والله لو كان السيف قريباً مني لقتلته قال في التكملة في هذه الرواية نظر لأن هذه السورة مدينة أبو بكر مع أبيه الآن بمكة انتهى.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٨٨
يقول الفقير : لعله على قول من قال إن العشر الأول من هذه السورة مدني والباقي مكي وأن أبا بكر رضي الله عنه دعا ابنه عبد الرحمن إلى البراز يوم بدر فأمره عليه السلام أن يقعد قال : يا رسول الله دعني أكن في الرعلة الأولى وهي القطعة من الفرسان فقال عليه السلام : متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك بمنزلة سمعي وبصري.


الصفحة التالية
Icon