﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ خبر مبتدأ محذوف تقديره مثلهم أي مثل المذكورين من اليهود والمنافقين وصفتهم العجيبة وحالهم الغريبة كمثل أهل بدر وهم مشركوا أهل مكة أو كمثل بني قينقاع على ما قيل إنهم أخرجوا قبل بني النضير وبنو قينقاع مثلثة النون والضم أشهر كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالاً فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد كبني النضير فأخرجهم رسول الله من المدينة إلى الشام أي لأن قريتهم كانت من أعمالها ودعا عليهم فلم يدر الحول عليهم حتى هلكوا أجمعون وقد عرفت قصتهم في الجلد الأول ﴿قَرِيبًا﴾ انتصابه بمثل إذ التقدير كوقوع مثل الذين الخ يعني بدلالة المقام لا لاقتضاء الأقرب أي في زمان قريب قال مجاهد : كانت وقعة بدر قبل غزوة بني النضير بستة أشهر فلذلك قال قريباً فتكون قبل وقعة أحد وقيل بسنتين فتكون تلك الغزوة
٤٤٢
في السنة الرابعة لأن غزوة بني النضير كانت بعد أحد وهي كانت بعد بدر بسنة ﴿ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ قال الراغب : الوبل والوابل المطر الثقيل القطار ولمراعاة الثقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره وبال وطعام وبيل والأمر واحد الأمور لا الأوامر أي ذاقوا سوء عاقبة كفرهم في الدنيا وهو عذاب القتل ببدر وكانت غزوة بدر في رمضان من السنة الثانية من الهجرة قبل غزوة بني النضير ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مؤلم لا يقادر قدره حيث يكون ما في الدنيا بالنسبة إليه كالذوق بالنسبة إلى الأكل والمعنى أن حال هؤلاء كحال أولئك في الدنيا والآخرة لكن لا على أن حال كلهم كحالهم بل حال بعضهم الذين هم اليهود كذلك وأما حال المنافقين فهو ما نطق به قوله تعالى ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَـانِ﴾ فإنه خبر ثان للمبتدأ المقدر مبين لحالهم متضمن لحال أخرى لليهود وهي اغترارهم بمقالة المنافقين أوله وخيبتهم آخراً وقد أجمل في النظم الكريم حيث أسند كل من الخبرين إلى المقدر المضاف إلى ضمير الفريقين من غير تعيين ما أسند إليه بخصوصه ثقة بأن السامع يرد كلاً من المثلين إلى ما يماثله كأنه قيل مثل اليهود في حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم ومثل المنافقين في إغرائيهم إياهم على القتال حسبما حكي عنهم كمثل الشيطان
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
﴿إِذْ قَالَ لِلانسَـانِ اكْفُرْ﴾ قول الشيطان مجاز عن الإغواء والإغراء أي أغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور على المأمور به ﴿فَلَمَّا كَفَرَ﴾ الإنسان المذكور إطاعة لإغوائه وتبعاً لأهوائه ﴿قَالَ﴾ الشيطان ﴿إِنِّى بَرِىاءٌ مِّنكَ﴾ أي بعيد عن عملك وأملك غير راض بكفرك وشركك وبالفارسية من بيزارم ازتو.
يقال برىء يبرأ فهو برىء وأصل البرء والبراءة والتبري التفصي مما يكره مجاورته قال العلماء إن أريد بالإنسان الجنس فهقا التبري من الشيطان يكون يوم القيامة كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَـالَمِينَ﴾ وإن أريد أبو جهل على أن يكون اللام للعهد فقوله تعالى أكفر أي دم على الكفر.
س ون برآن ثبات ورزيد ونهال شرك درزمين دل أو استحكام يافت.
قال : إني الخ عبارة عن قول إبليس له يوم بدر لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال : إني برىء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب يعني لما قاتلوا ورأى إبليس جبرائيل مع محمد عليهما السلام خافه فتبرأ منهم وانهزم قال بعضهم : هذا من كذبات اللعين وإنه لو خاف حقيقة وقال صدقاً لما استمر على ما أدى إلى الخوف بعد ذلك كيف وقد طلب الإنظار إلى البعث للإغواء وقال أبو الليث قال ذلك على وجه الاستهزاء ولا بعد أن يقول له ليوقعه في الحسرة والحرقة انتهى.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤١٥
يقول الفقير : الظاهر أن الشيطان يستشعر في بعض المواد جلال الله تعالى وعظمته فيخافه حذراً من المؤاخذة العاجلة وإن كان منظراً ولا شك أن كل أحد يخاف السطوة الإلهية عند طهور إماراتها ألا ترى إلى قوله تعالى وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين على أن نحو قاطع الطريق وقاتل النفس ربما فعل ما فعل وهو خائف من الأخذ ﴿فَكَانَ عَـاقِبَتَهُمَآ﴾ أي عاقبة الشيطان وذلك الإنسان وهو بالنصب
٤٤٣


الصفحة التالية
Icon