جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢
ـ روي ـ أن داود عبد الله قال في مناجاته : كيف أشكر لك وشكري لك نعمة منك علي فأوحى الله إليه الآن قد شكرتني وقال بعض أهل الإشارة : لقد كان في إبراهيم الخفي ومن معه من قواه الروحانية المجردة
٤٧٩
من المواد الحسية والمثالية والعقلية أسوة حسنة وهي البراءة من قومه أي النفس الأمارة ولهوى المتبع فمن تأسى واستمر على ذلك بلغ المطلوب المحبوب ومن أعرض عن ذلك التأسي فإن الله غني عن تأسيه حميد في ذاته وإن لم يكن حمده انتهى كلامه ﴿عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ﴾ شايد آنكه خداى تعالى يدا كند ﴿بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم﴾ أي من أقاربكم المشركين وعسى من الله وعد على عادة الملوك حيث يقولون في بعض الحوائج عسى ولعل فلا يبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك وذلك الراغب ذكر الله في القرآن عسى ولعل تذكرة ليكون الإنسان منه على رجاء لا على أن يكون هو تعالى راجياً أي كونوا راجين في ذلك والمعاداة والعداء باكسى دشمنى كردن ﴿مَّوَدَّةً﴾ أي بأن يوافقوكم في الدين وعدهم الله بذلك لما رأى منهم من التصلب في الدين والتشدد في معاداة آبائهم وأبنائهم وسائر أقربائهم ومقاطعتهم إياهم بالكلية تطبيباً لقلوبهم ولقد أنجز وعده الكريك حين أباح لهم الفتح فأسلم قومهم كأبي سفيان وسهل بن عمرو وحكيم بن حزام والحارث بن هشام وغيرهم من صناديد العرب وكانوا أعداء أشد العداوة فتم بينهم من التحاب والتصافي ما تم ﴿وَاللَّهُ قَدِيرٌ﴾ أي مبالغ في القدرة فيقدر على تقليب القلوب وتغيير الأحوال وتسهيل أسباب المودة ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فيغفر لمن أسلم من المشركين ويرحمهم بقلب معاداة قاربهم موالاة وقيل غفور لما فرط منكم في موالاتهم من قبل ولما بقي في قلوبكم من ميل الرحم قال ابن عطاء رحمه الله : لا تبغضوا عبادي كل البغض فإني قادر على أن أنقلكم من البغض إلى المحبة كنقلي من المن الحياة إلى الموت ومن الموت إلى النشور كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أنظر إلى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل قرأ يخرج الحي من الميت لأنهما من خيار الصحابة وأبواهما أعدى عدو الله ورسوله وكان بعضهم يبغض عكرمة ويسب أباه لما سلف منه من الأذى حتى ورد النهي عنه بقوله عليه السلام : لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات فقلب الله ذلك محبة فكانوا إخواناً في الله وفي الحديث :"من نظر إلى أخيه نظر مودة لم يكن في قلبه أحنة لم يطرف حتى يغفر الله له ما تقدم من ذنبه" وقال سقراط : أثن علي ذي المودة خيراً عند من لقيت فإن رأس المودة حسن الثناء كما أن رأس العداوة سوء الثناء وعنه لا تكون كاملاً حتى يأمنك عدوك فكيف بك إذا لم يأمنك صديقك؟ قال داود عليه السلام : اللهم إني أعوذ بك من مال يكون على فتنة ومن ولد يكون على ربا ومن حليلة تقرب المشيب وأعوذ بك من جار تراني عيناه وترعاني أذناه إن رأى خيراً دفنه وإن سمع شراً طار به ومن بلاغات الزمخشري محك المودة والإخاء حال الشدة دون الرخاء.
قال الحافظ :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٢
وفا مجوى زكس ورسخن نمى شنوى
بهرزه طالب سيمرغ وكيميامى باش
﴿لا يَنْهَـاـاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَـاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ﴾ أي على الدين أو في حقالدين وإطفاء نوره ﴿وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَـارِكُمْ﴾ أي لا ينهاكم الله عن مبرة هؤلاء فإن قوله تعالى :﴿أَن تَبَرُّوهُمْ﴾ بدل من الموصول بدل الاشتمال لأن بينهم وبين البلا ملابسة بغير الكلية والجزئية فكان المنهى عنه يرهم بالقول وحسن المعاشرة والصلة بالمال لا أنفسهم وبالفارسية
٤٨٠
از آنكه نيكويى كنيد با ايشان ﴿وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ تفسير لتبروا وضمن تقسطوا معنى الإفضاء فغدى تعديته أي تفضوا إليهم بالقسط والعدل ولا تظلموهم وناهيك بتوصية الله المؤمنين أن يستعملوا القسط مع المشركين ويتحاموا ظلمهم مرحمة عن حال مسلم يجترىء عن ظلم أخيه المسلم كما في الكشاف وقال الراغب : القسط النصيب بالعدل كالنصب والنصفة فالمعنى عدل كنيد وبفرستيد قسطى وبهره براى ايشان از طعام وغير أو ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ أي العادلين في المعاملات كلها.


الصفحة التالية
Icon