يقول الفقير : لا شك أن قتل الأعداء من باب التسبيح لأنهم الذين قالوا اتخذوا الله ولداً وعبدوا معه الأصنام فكان في مقاتلتهم توسيع ساحة التنزيه ولذا بدأ الله تعالى في عنوان السورة بالتسبيح وأشار بلفظ الحكيم إلى أن القتال من باب الحكمة وأنه من باب دفع القضاء بالقضاء على ما يعرفه أهل الله وبلفظ العزيز إلى غلبة المؤمنين المقاتلين ثم إنهم كرهوا ذلك كأنهم لم يثقوا بوعد الله بالغلبة ووقعوا من حيث لم يحتسبوا في ورطة نسبة العجز إلى الله سبحانه ولذا تقاعدوا عن القتال وبهذا التقاعد حصلت الأذية له عليه السلام لأن مخالفة أولي الأمر أذية لهم فأشار الحق تعالى بقصة موسى إلى أن الرسول حق وأن الخروج عن طاعته فسق وأن الفاسق مغضوب الله تعالى لأن الهداية من باب الرحمة وعدمها من باب السخط والعياذ بالله تعالى من سخطه وغضبه وأليم عذابه وعقابه يا قَوْمِ} أي كروه من.
فأصله يا قومي ولذا تكسر الميم ولولا تقدير الياء لقيل يا قوم بالضم لأنه حينئذ يكون مفرداً معرفة فيبنى على الضم وهو نداء بالرفق والشفقة كما هو شأن الأنبياء ومن يليهم ﴿لِمَ تُؤْذُونَنِى﴾ رامى رنجانيد مرا.
أي بالمخالفة والعصيان فيما أمرتكم به والأذى ما يصل إلى الإنسان من ضرر إما في نفسه أو في جسمه أو قنياته دنيويا كان أو أخرويا قال في القاموس آذى فعل الأذى وصاحبه أذى وأذاة وأذية ولا تقل إيذاء انتهى فلفظ الإيذاء في أفواه العوام من الأغلاط وربما تراه في عبارات بعض المصنفين ﴿وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ جملة حالية مؤكدة لإنكار الأذية ونفي سببها وقد لتحقيق العلم لا للتوقع ولا للتقريب ولا للتقليل فإنهم قالوا إن قد إذا دخلت على الحال تكون للتحقيق وإذا دخلت على الاستقبال تكون للتقليل وصيغة المضارع للدلالة حلى استمرار العلم أي والحال إنكم تعلمون علماً قطعياً مستمراً بمشاهدة ما ظهر بيدي من المعجزات إني مرسل من الله إليكم لأرشدكم إلى خير الدنيا والآخرة ومن قضية علمكم بذلك أن تبالغوا في تعظيمي وتسارعوا إلى طاعتي فإن تعظيمي تعظيموإطاعتي إطاعة له وفيه تسلية للنبي عليه السلام بأن الأذية قد كانت من الأمم السالفة أيضاً لأنبيائهم والبلاء إذا عم خف وفي الحديث "رحمة الله على أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" وذلك إنه عليه السلام لما قسم غنائم الطائف قال بعض المنافقين هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فتغير وجهه الشريف وقال ذلك
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣
﴿فَلَمَّا زَاغُوا﴾ الزيغ الميل عن الاستقامة والتزايغ التمايل أي أصروا على الزيغ عن الحق الذي جاء به
٤٩٦
موسى واستمروا عليه ﴿أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ أي صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب لصرف اختيارهم نحو الغي والضلال وقال الراغب في المفردات أي لما فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك وقال جعفر لما تركوا أوامر الخدمة نزع الله من قلوبهم نور الإيمان وجعل للشيطان إليهم طريقاً فأزاغهم عن طريق الحق وأدخلهم في مسالك الباطل وقال الواسطي لما زاغزا عن القربة في العلم أزاغ الله قلوبهم في الخلقة وقال بعضهم لما زاغوا عن العبادة أزاغ الله قلوبهم عن الإرادة يقول الفقير لما زاغوا عن رسالة موسى ونبوته أزاغ الله قلوبهم عن ولايته وجمعيته فهم رأوا موسى على أنه موسى لا على أنه رسول نبي فحرموا من رؤية الحق تعالى ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ﴾ اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله من الإزاغة وموذن بعليته أي لا يهدي القوم الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق المصرين على الغواية هداية موصلة إلى البغية لا هداية موصلة إلى ما يوصل إليها فإنها شاملة للكل والمراد جنس الفاسقين وهم داخلون في حكمهم دخولاً أولياء ووصفهم بالفسق نظراً إلى قوله تعالى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وقوله تعالى فلا تأس على القوم الفاسقين قال الإمام هذه الآية تدل على عظم أذى الرسول حتى أنه يؤدي إلى الكفر وزيغ القلوب عن الهدي انتهى.
ويتبعه أذى العالمين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر لأن العلماء ورثة الأنبياء فأذاهم في حكم أذاهم فكما أن الأنبياء والأولياء داعون إلى الله تعالى على بصيرة فكذلك رسل القلوب فإنهم يدعون القوى البشرية والطبيعية من الصفات البشرية السفلية إلى الأخلاق الروحانية العلوية ومن ظلمة الخلقية إلى نور الحقية فمن مال عن الحق وقبول الدعوة لعدم الاستعداد الذاتي ضل بالتوجه إلى الدنيا والإقبال عليها فأنى يجد الهداية إلى حضرة الحق سبحانه ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ إما معطوف على إذ الأولى معمول لعاملها وإما معمول لمضمر معطوف على عاملها وابن هنا وفي عزيز ابن الله بإثبات الألف خطا لنذرة وقوعه بين رب وعبد وذكر وأنثى يا بَنِى إِسْرَاءِيلَ} أي فرزندان يعقوب.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣