يقول الفقير : هكذا أحوال ورثة النبي عليه السلام في كل زمان فإن الله تعالى تجلى لهم بنور الأزل والقدم فكرهه المنكرون وأرادوا أن يطفئوه لكن الله أتم نوره وجعل لأهل تجليه أصحاباً وإخواناً يذبون عنهم وينفذون أمورهم إلى أن يأتيهم أمر الله تعالى ويقضوا نحبهم وفي الآية إشارة إلى أن النفس لا بد وأن تسعى في إبطال نور القلب وإطفائه لأن النفس والهوى من المظاهر القهرية الجلالية المنسوبة إلى اليد اليسرى والروح والقلب من المظاهر الجمالية اللطفية المنسوبة إلى اليد اليمنى كما جاء في الحديث "الرباني" إن الله مسح يده اليمنى على ظهر آدم الأيمن فاستخرج منه ذرارى كالفضة البيضاء وقال هؤلاء للجنة ومسح يده اليسرى على ظهر آدم الأيسر فاستخرج منه كالحممة السوداء وقال هؤلاء للنار فلا بد للنفس من السعي في إطفاء نور القلب وللقلب أيضاً من السعي في إطفاء نار النفس ولو كره الكافرون الساترون القلب بالنفس الزارعون بذر النفس في أرض القلب ﴿هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ﴾ محمداً صلى الله عليه وسلّم ﴿بِالْهُدَى﴾ بالقرآن أو بالمعجزة فالهدى بمعنى ما به الاهتداء إلى الصراط المستقيم ﴿وَدِينِ الْحَقِّ﴾ والملة الحنيفية التي اختارها لرسوله ولأمته وهو من إضافة الموصوف إلى صفته مثل عذاب الحريق ﴿لِيُظْهِرَه عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ ليجعله ظاهراً أي عالياً وغالباً على جميع الأديان المخالفة له ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ ذلك الإظهار ولقد أنجز الله وعده حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام فليس المراد أنه لا يبقى دين آخر من الأديان بل العلو والغلبة والأديان خمسة : اليهودية والنصرانية والمجوسية والشرك والإسلام كما في عين المعاني للسجاوندي وقال السهيلي في كتاب الأمالي في بيان فائدة كون أبواب النار سبعة وجدنا الأديان كما ذكر في التفسير سبعة : واحدة للرحمن وستة للشيطان فالتي للشيطان اليهودية والنصرانية والصابئية وعبادة الأوثان والمجوسية وأمم لا شرع لهم ولا يقولون نبوة وهم الدهرية فكأنهم كلهم على دين واحد أعني الدهرية وكل من لا يصدق برسول فهؤلاء ستة لا أصناف والصنف السابع هو من أهل التوحيد الخوارج الذين هم كلاب النار وجميع أهل البذع المضلة والجبابرة الظلمة والمصرون على الكبائر من غير توبة ولا استغفار فإن فيهم من ينفذ فيه الوعيد ومنهم من يعفو الله عنه فهؤلاء كلهم صنف واحد غير أنه لا يحتم عليهم بالخلود فيها فهؤلاء سبعة أصناف ستة مخلدون في النار وصنف
٥٠٤
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣
واحد غير مخلدوهم منتزعون يوم القيامة من أهل دين الرحمن ثم يخرجون بالشفاعة فقد وافق عدد الأبواب عدد هذه الأصناف وتبينت الحكمة في ذكرها في القرآن لما فيها من التخويف والإرهاب فنسأل الله العفو والعافية والمعافاة وفي بعض التفاسير الإشراك هو إثبات الشريك تعالى في الألوهية سواء كانت بمعنى وجوب الوجود أو استحقاق العبادة لكن أكثر المشركين لم يقولوا بالأول لقوله تعالى ولئن سؤلتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله فقد يطلق ويراد به مطلق الكفر بناء على أن الكفر لا يخلو عن شرك ما يدل عليه قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذفك فإن من المعلوم في الدين أنه تعالى لا يغفر كفر غير المشركين المشهورين من اليهود والنصارى فيكون المراد لا يغفر أن يكفر به وقد يطلق ويراد به عبدة الأصنام وغيرها فإن أريد الله في قوله ولو كره المشركون يكون إيراده ثانياً لوصفهم بوصف قبيح آخر وإن أريد الثاني فلعل إيراد الكافرين أولاً لما أن إتمام الله نوره يكون بنسخ غير الإسلام والكافرون كلهم يكرهون ذلك وإيراد المشركين ثانياً لما أن إظهار دين الحق يكون بإعلاء كلمة الله وإشاعة التوحيد المنبىء عن بطلان الآلهة الباطلة وأشد الكارهين لذلك المشركون والله أعلم بكلامه.
وفي التأويلات النجمية هو الذي أرسل رسول القلب إلى أمة العالم الأصغر الذي هو المملكة الأنفسية الإجمالية المضاهية للعالم الأكبر وهو المملكة الآفاقية التفصيلية بنور الهداية الأزلية ودين الحق الغالب على جميع الأديان وهو الملة الحنيفية السهلة السمحاء ولو كره المشركون الذين أشركوا مع الحق غيره وما عرفوا أن الغير والغيرية من الموهومات التي أوجدتها قوة الوهم وإلا ليس في الوجود إلا الله وصفاته انتهى.
قال الكمال الخجندي :
له في كل موجود علامات وآثار
دوعالم رزمعشوقست كويك عاشق صادق
وقال المولى الجامي :
كرتويى جمله درفضاى وجود
هم خود انصاف ده بكو حق كو
درهمه اوست يش شم شهود
يست ندارى هستى من وتو
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٩٣