ـ حكي ـ أن إبراهيم بن أدهم قدس سره كان يصلي ليلة فأعيى فجلس ومدر رجليه فهتف به هاتف أهكذا تجالس الملوك وكان الحريري لا يمد رجليه في الخلوة ويقول حفظ الأدب مع الله أحق وهذا من أدب من عرف معنى الاسم المهيمن فإن من عرف معناه يكون مستحييا من اطلاعه تعالى عليه ورؤيته له وهو المراقبة عند أهل الحقيقة ومعناه علم القلب باطلاع الرب ودلت الآية وكذا قوله عليه السلام إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند اللهجناح بعوضة على أن العبرة في الكمال والنقصان بالأصغرين اللسان والقلب لا بالأكبرين الرأس والجلد فإن الله تعالى لا ينظر إلى الصور والأموال بل إلى القلوب والأعمال فرب صورة مصغرة عند الله بمثابة الذهب والمؤمن لا يخلو من قلة أو علة أو ذلة ولا شك أن بالقلة يكثر الهم الذي يذيب اللحم والشحم وكذا بالعلة يذوب البدن ويطرأ عليه الذبول وفي الحديث مثل المؤمن مثل السنبلة يحركها الريح فتقوم مرة وتقع أخرى ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال قائمة حتى تنقعر قوله الأرزة بفتح الهمزة وبراء مهملة ساكنة ثم زاي شجر يشبه الصنوبر يكون بالشأم وبلاد الأرمن وقيل هو شجر الصنوبر والانقعار.
ازبن بركنده شدن يعني مثل منافق مثل صنوبراست كه بلند واستوار برزمين تاكه افتادن وازبيخ برآمدن.
وفيه إشارة إلى أن المؤمن كثير الابتلاء في بدنه وماله غالباً فيكفر عن سيئاته والكافر ليس كذلك فيأتي بسيئاته كاملة يوم القيامة ﴿يَحْسَبُونَ﴾ يظنون ﴿كُلَّ صَيْحَةٍ﴾ كل صوت ارتفع فإن الصيحة رفع الصوت وفي القاموس الصوت بأقصى الطاقة وهو مفعول أول ليحسبون والمفعول الثاني قوله ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أي واقعة عليهم ضارة لهم.
ومراد از صيحه هر فريادى كه برآيد وهرآوازى كه درمدينه بركشند.
وقال بعضهم : إذا نادى مناد في العسكر لمصلحة أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة أو وقعت جلبة بين الناس ظنوه إيقاعاً بهم لجنبهم واستقرار الرعب في قلوبهم والخائن خائف وقال القاشاني لأن الشجاعة إنما تكون من اليقين من نور الفطرة وصفاء القلب وهم منغمسون في ظلمات صفات النفوس محتجبون باللذات والشهوات كأهل الشكوك والارتياب فلذلك غلب عليهم الجبن والخور انتهى وفي هذا زيادة تحقر لهم وتخفيف لقدرهم
٥٣٣
كما قيل إذا رأى غير شيء ظنه رجلاً وقيل كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم ما يهتك أستارهم ويبيخ دماءهم وأموالهم
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٩
﴿هُمُ الْعَدُوُّ﴾ أي هم الكاملون في العداوة الراسخون فيها فإن أعدى الأعادي العدو المكاسر الذي يكاسرك وتحت ضلوعه داء لا يبرح بل يلزم مكانه ولم يقل هم الأعداء لأن العدو لكونه بزنة المصادر يقع على الواحد وما فوقه ﴿فَاحْذَرْهُمْ﴾ أي فاحذر أن تثق بقولهم ونميل إلى كلامهم أو فاحذر مما يلتهم لأعدائك وتخذيلهم أصحابك فإنهم يفشون سرك للكفار ﴿قَـاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ دعاء عليهم وطلب من ذاته تعالى أن يلعنهم ويخزيهم ويميتهم على الهوان والخذلان كما قال ابن عباس رضي الله عنهما أي لعنهم قال سعدي المفتي ولا طلب هناك حقيقة بل عبارة الطلب للدلالة على أن اللعن عليهم مما لا بد منه قال الطيبي يعني إنه من أسلوب التجريد كقراءة ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ومن كفر فأمتعه يا قادر ويجوز أن يكون تعليماف للمؤمنين بأن يدعوا عليهم بذلك ففيه دلالة على أن للدعاء على أهل الفساد محلاً يحسن فيه فقاتلا الله المبتدعين الضالين المضلين فإنهم شر الخصماء وأضر الأعداء وإيراده في صورة الإخبار مع أنه إنشاء معنى للدلالة على وقوعه ومعنى الإنشاء بالفارسية هلاك كناد خداى ايشانرا يا لعنت كناد برايشان.
وقال بعضهم أهلكهم وهو دعاء يتضمن الاقتضاء والمنابذة وتمنى الشر لهم ويقال هي كلمة ذم وتوبيخ بين الناس وقد تقول العرب قاتله الله ما أشعره فيضعونه موضع التعجب وقيل أحلهم محل من قاتله عدو قاهر لكل معاند ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ تعجيب من حالهم أي كيف يصرفون عن الحق والنور إلى ما هم عليه من الكفر والضلال والظلمة بعد قيام البرهان من الإفك بفتح الهمزة بمعنى الصرف عن الشيء لأن الإفك بالكسر بمعنى الكذب.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٩


الصفحة التالية
Icon