﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ تا تصدق كنم وزكاة ادانمايم.
وهو بقطع الهمزة لأنها للتكلم وهمزته مقطوعة وبتشديد الصاد لأن أصله أتصدق من التصدق فأدغمت التاء في الصاد وبالنصب لأنه مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء في جواب التمني في قوله لولا أخرتني ﴿وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ بالجزم عطفاً على محل فأصدق كأنه قيل إن أخرتني أصدق وأكن وفيه إشارة إلى أن التصدق من أسباب الصلاح والطاعة كما إن تركه من أسباب
٥٤١
الفساد والفسق والفرق بين التصدق والهدية الفساد والفسق والفرق بين التصدق والهدية أن التصدق للمحتاج بطريق الترحم والهدية للحبي لأجل المودة ولذا كان عليه السلام يقبل الهدية لا الصدقة فرضاً كانت أو نفلاً وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من كان له مال يجب فيه الزكاة فلم يزكه أو مال يبلغه إلى بيت الله فلم يحج يسأل عند الموت الرجعة فقال رجل : اتق الله يا ابن عباس إنما سألت الكفار الرجعة قال ابن عباس رضي الله عنهما : إني أقرأ عليك هذا القرآن فقال : يا أيها الذين آمنوا إلى قوله فأصدق وأكن من الصالحين فقال الرجل : يا ابن عباس وما يوجب الزكاة قال : مائتا درهم فصاعداً قال : فما يوجب الحج قال الزاد والراحلة فالآية في المؤمنين وأهل القبلة لكن لا تخلو عن تعريض بالكفار وإن تمنى الرجوع إلى الدنيا لا يختص بالكفار بل كل قاصر مفرط يتمنى ذلك قال بعض العلماء في الآية دلالة على وجوب تعجيل الزكاة لأن إتيان الموت محتمل في كل ساعة وكذا غيرها من الطاعات إذا جاء وقتها لعل الأولى استحبابه في أغلب الأوقات ولذا اختار بعض المجتهدين أول الوقت عملاً بقوله عليه السلام : أول الوقت رضوان الله أي لأن فيه المسارعة إلى رضى الله والاهتمام بالعمل إذ لا يدري المرء أن يدرك آخر الوقت ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا﴾ أي ولن يمهلها مطيعة وعاصية صغيرة أو كبيرة ﴿إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ﴾ أي آخر عمرها أو انتهى إن أريد بالأجل الزمان الممتد من أول العمر إلى آخره يعني ون عمر بآخر رسيد يزى بران نيفزايند وازان كم نكنند(قال الشيخ سعدي) كه يك لحظه صورت نه بندد امان
و يمانه رشد بدور زمان
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٩
واستنبط بعضهم عمر النبي عليه السلام من هذه الآية فالسورة رأس ثلاث وستين سورة وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده قال بعضهم : الموت على قسمين اضطراري وهو المشهور في العموم والعرف وهو الأجل المسمى الذي قيل فيه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون والموت الآخر موت اختياري وهو موت في الحياة الدنيا وهو الأجل المقضي في قوله ثم قضى أجلاً ولا يصح للإنسان هذا الموت في حياته إلا إذا وحد الله تعالى توحيد الموتى الذين انكشفت لهم الأغطية وإن كان ذلك الكشف في ذلك الوقت لا يعطي سعادة إلا لمن كان من العامة عالماً بذلك فإذا انكشف الغطاء يرى ما علم عيناً فهو سعيد فصاحب هذا التوحيد ميت لا ميت كالمقتول في سبيل الله نقله الله إلى البرزخ لا عن موت فالشهيد مقتول لا ميت وكذلك هذا المعتنى به لما قتل نفسه في الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس رزقه الله تعالى حكم الشهادة فولاه النيابة في البرزخ في حياته الدنيا فموته معنوي وقتله مخالفة نفسه ﴿وَاللَّهُ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فمجازيكم عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر فسارعوا في الخيرات واستعدوا لما هو آت القاشاني قضية الإيمان غلبة حب الله على محبة كل شيء فلا تكن محبتهم ومحبة الدنيا من شدة التعلق بهم وبالأموال غالبة في قلوبكم على محبة الله فتحجبون بهم عنه فتصيرون إلى النار فتخسرون نور الاستعداد الفطري بإضاعته فيما يفنى سريعاً وتجردوا عن الأموال باتفاقها وقت الصحة والاحتياج إليها لتكون
٥٤٢
فضيلة في نفسك وهيئة نورية لها فإن الاتفاق إنما ينفع إذا كان عن ملكة السخاء وهيئة التجرد في النفس فأما عند حضور الموت فالمال للوارث لا له فلا ينفعه إنفاقه وليس له إلا التحسر والندم وتمنى التأخير في الأجل بالجهل فإنه لو كان صادقاً في دعوى الإيمام وموقناً بالآخرة لتيقن أن الموت ضروري وإنه مقدر في وقت معين قدره الله فيه بحكمته فلا يمكن تأخره ولتدارك أمره قبل حلول المنية فإنه لا يدري المرء كيف تكون العاقبة ولذا قيل لا تغتر بلباس الناس فإن العاقبة مبهمة :
مسكين دل من كره فراوان داند
در دانش عاقبت فرومى ماند
وفي الحديث :"لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير من أن يتصدق بمائة عند موته" وقال عليه السلام :"الذي يتصدق عند موته أو يعتق كالذي يهدي إذا شبع" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً قال : إن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تهمل حتى إذا بلعت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان يعني إِمال نكني تا آن زمان كه جان بحلقوم رسد كويى فلان را اين وفلانرا اين باشد وخود از ان فلان شود به مرك تو.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٩
ـ روي ـ الإمام الغزالي رحمه الله عن عبد الله المزني إنه قال : جمع رجل من بني إسرائيل مالاً كثيراً فلما أشرف على الموت قال لبنيه ائتوني بأصناف أموالي فأتى بشيء كثير من الخيل والإبل والدقيق وغيره فلما نظر إليها بكى عليها تحسراً فرآه ملك الموت وهو يبكي فقال : ما يبكيك؟ فوالذي خولك ما خولك ما أنا بخارج من منزلك حتى أفرق بين روحك وبدنك قال : فالمهلة حتى أفرقها قال : هيهات انقطع عنك المهلة فهلا كان ذلك قبل حضور أجلك فقبض روحه قال السلطان ولد قدس سره :
بكذار جهان راكه جهان آن تونيست
وين دم كه همى زنى بفرمان تونيست
كرمال جهان جمع كنى شاد مشو
ورتكيه بجان كنى جان آن تونيست
وفي الآية إشارة إلى أنفاق الوجود المجازي الخلقي بالإرادة الروحانية لنيل الوجود الحقيقي من غير أن يأتي الموت الطبيعي بلا إرادة فيموت ميتة جاهلية من غير حياة أبدية لأن النفس لم تزل جاهلة غير عارفة بربها ولا شك أن الحياة الطبيعية إنما هي في معرفة الله وهي لا تحصل إلا بموت النفس والطبيعة وحياة القلب والروح فمن لم يكن على فائدة من هذا الموت الإرادي بتمني الرجوع إلى الدنيا عند الموت الطبيعي لتصدق الوجود المجازي بالإرادة والرغبة والكون من الصالحين لقبول الوجود الحقيقي وكل من كان مستعداً لبذل الوجود الإضافي لقبول الوجود الإطلاقي وجاء زمانه باستيفائه أحكام الشريعة الزهراء واستقصائه آداب الطريقة البيضاء لا يمكن له الوقفة على الحجاب والاحتجاب كما إذا جاء زمان نفخ الروح في الجنين باستكمال المدة يشتعل بنور الروح البتة اللهم إلا أن تعرض آفة تمنعه عن ذلك والله خبير بما تعملون من بذل الوجود الإمكاني ونيل الوجود الواجبي الحقاني كما قال تعالى إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة جعلنا الله وإياكم من الباذلين
٥٤٣
وجوده والمستفيضين منه تعالى فضله وجوده وأن يختم لنا بالخير بأن يوفقنا للإعراض عن الغير.
٥٤٤
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٩