وفي الآية إشارة إلى تنزيل ماء الفيض الإلهي من سماء الأرواح فإن الله ينبت به حبات القلوب وحب المحبة المحصود به محبة ما سوى الله من القلوب وشجرة التوحيد لها طلع نضيد من أنواع المعارف رزقاً للعباد الذي يبيتون عند ربهم يطعمهم ويسقيهم ويحيي بذلك الفيض بلدة القلب الميت من نور الله كما قال أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نور الآية كذلك الخروج من ظلمات الوجود إلى نور واجب الوجود فافهم جدا ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ أي قبل أهل مكة ﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ قوم نوح كه بني شيت وبني قابيل بودند تكذيب كردند مر نوح ﴿وَأَصْحَـابُ الرَّسِّ﴾ قبل كانت الرس بئراً بعدن لامة من بقايا ثمود وكان لهم ملك عدل حسن السيرة يقال له العنيس كزبير وكانت البئر تسقي المدينة كلها وباديتها وجميع ما فيها من الدواب والغنم والبقر وغير ذلك لأنها كانت بكرات كثيرة منصوبة عليها جمع بكرة بالفتح وهي خشبة مستديرة في وسطها محز يستقى عليها ورجال كثيرون موكلون بها وأبازن بالزاي والنون من رخام وهي تشبه الحياص كثيرة تملأ للناس قال في القاموس إلا بزن مثلثة الأول حوض يغتسل فيه وقد يتخذ من نحاس معرب آب زن انتهى وآخر للدواب وآخر للبقر والغنم والهوام يستقون عليها بالليل والنهار يتداولون ولم يكن لهم ماء غيره فطال عمر الملك فلما جاءه الموت طلى بدهن لتبقى صورته ولا تتغير وكذلك كانوا يفعلون إذا مات منهم الميت وكان ممن يكرم عليهم فلما مات شق ذلك عنهم ورأوا أن أمرهم قد فسد وضبحوا جميعاً بالبكاء واغتنمها الشيطان منهم فدخل في جثة الملك بعد موته بأيام كثيرة فكلمهم وقال : إني لم أمت ولكني قد تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم بعدي ففرحوا أشد الفرح وأمر لخاصته أن يضربوا حجاباً بينه وبينهم ويكلمهم من ورائه كيلا يعرف الموت في صورته فنصبوه صنماً
١٠٩
من وراء حجاب لا يأكل ولا يشرب وأخبرهم أنه لا يموت أبداً وأنه اله لهم وذلك كله ويتكلم به الشيطان على لسانه فصدق كثير منهم وارتاب بعضهم وكان المؤمن المكذب منهم أقل من المصدق فكلما تكلم بأصح منهم زجر وقهر فاتفقوا على عبادته فبعث الله لهم نبياً كان الوحي ينزل عليه في النوم دون اليقظة وكان اسمه حنظلة ابن صفوان فأعلمهم أن الصورة صنم لا روح له وأن الشيطان فيه وقد أضلهم الله وأن الله تعالى لا يتمثل بالخلق وأن الملك لا يجوز أن يكون شريكاًوأوعدهم ونصحهم وحذرهم سطوة ربهم ونقمته فآذوه وعادوه وهو يتعدهم بالموعظة والنصيحة حتى قتلوه وطرحوه في بئر وعند ذلك حلت عليهم النقمة فباتوا أشباعي رواء من الماء وأصبحوا والبئر قد غار ماؤها وتعطل رشاؤها وهو بالكسر الحبل فصاحوا بأجمعهم وضبح النساء والولدان وضبحت البهائم عطشا حتى عمهم الموت وشملهم الهلاك وخلفهم في أرضهم السباع وفي منازلهم الثعالب والضباع وتبدلت لهم جناتهم وأموالهم بالسدر والشوك شوك العضاة والقتاد الأول بالكسر أم غيلان أو نحوه والثاني كسحاب شجر صلب شوكه كالابر فلا تسمع فيها إلا عزيف الجن أي صوتهم وهو جرس يسمع في المفاوز بالليل والازئير الاسد أي صوته من الصدر نعوذ بالله من سطواته ومن الاصرار على ما يوجب نقماته كذا في التكملة نقلاً عن تفسير المقرى وقيل الرس بئر قرب اليمامة أو بئر بأذربيجان او واد كما قال الشاعر فهن لوادي الرس كاليد للفهم.
وقد سبق بعض الكلام عليه في سورة الفرقان فارجع
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٩٩


الصفحة التالية
Icon