صفحة رقم ٤٠
أن الله عز وجل خلق الملائكة والجن قبل خلق الشياطين والإنس، وهو آدم، عليه
السلام، فجعلهم سكان الأرض، وجعل الملائكة سكان السماوات، فوقع في الجن الفتن
والحسد، فاقتتلوا، فبعث الله جندا من أهل سماء الدنيا، يقال لهم : الجن، إبليس عدو الله
منهم، خلقوا جميعا من نار، وهم خزان الجنة رأسهم إبليس، فهبطوا إلى الأرض، فلم
يكلفوا من العبادة في الأرض ما كلفوا في السماء، فأحبوا القيام في الأرض، فأوحى
الله عز وجل إليهم : إني جاعل في الأرض خليفة سواكم ورافعكم إليَّ، فكرهوا ذلك ؛
لأنهم كانوا أهون الملائكة أعمالا، ) قالوا أتجعل فيها (، يقول، أتجعل في الأرض
) من يفسد فيها (، يعني من يعمل فيها بالمعاصي ) ويسفك الدماء ( بغير حق
كفعل الجن، ) ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك (، يقول : نحن نذكرك بأمرك، كقوله
سبحانه :( ويسبح الرعد بحمده ) [ الرعد : ١٣ ]، يعني يذكره بأمره، ونقدس لك
ونصلي لك ونعظم أمرك.
) قال ( الله سبحانه :( إني أعلم ما لا تعلمون ) [ آية : ٣٠ ] إن في علمي أنكم
سكان السماء، ويكون آدم وذريته سكان الأرض، ويكون منهم من يسبح بحمدي
ويعبدني، فخلق آدم، عليه السلام، من طين أحمر وأبيض من السبخة والعذبة، فمن ثم
نسله أبيض وأحمر وأسود مؤمن وكافر، فحسد إبليس تلك الصورة، فقال للملائكة
الذين هم معه : أرأيتم هذا الذي لم تروا شيئا من الخلق على خلقته، إن فضل عليَّ ماذا
تصنعون ؟ قالوا : نسمع ونطيع لأمر الله، وأسر عدو الله إبليس في نفسه، لئن فضل آدم
عليه لا يطيعه وليستزنه، فترك آدم طينا أربعين سنة مصورا، فجعل إبليس يدخل من دبره
ويخرج من فيه، ويقول : أنا نار وهذا طين أجوف، والنار تغلب الطين ولأغلبنه، فذلك
قوله عزوجل :( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ) [ سبأ : ٢٠ ]،
يعني قوله يومئذ : لأغلبنه، وقوله : لأحتنكن، يعني لأحتوين على ذريته إلا
قليلاً، فقال للروح : ادخلي هذا الجسد، فقالت : أي رب، أين تدخلني هذا الجسد
المظلم ؟ فقال الله تبارك وتعالى : ادخليه كرها، فدخلته كرها، وهي لا تخرج منه إلا
كرها، ثم نفخ فيه الروح من قبل رأسه، فترددت الروح فيه حتى بلغت نصف جسده
موضع السرة، فجعل للقعود، فذلك قوله تعالى :( وكان الإنسان عجولا ) [ الإسراء : ١١ ]،
فجعلت الروح تتردد فيه حتى بلغت أصابع الرجلين، فأرادت أن تخرج
منها، فلم تجد منفذا، فرجعت إلى الرأس، فخرجت من المنخرين، فعطس عند ذلك


الصفحة التالية
Icon