صفحة رقم ١٤
إبليس في صورة رجل شيخ كبير، فجلس معهم، فقالوا : ما أدخلك في جماعتنا بغير
إذننا، قال : إنما أنا رجل من أهل نجد، ولست من أهل تهامة، قدمت مكة فرأيتكم حسنة
وجوهكم، طيبة ريحكم، نقية ثيابكم، فأحببت أن أسمع من حديثكم، وأستر عليكم، فإن
كرهتم مجلسي خرجت من عندكم، فقالوا : هذا رجل من أهل نجد، وليس من أهل
تهامة، فلا بأس عليكم منه، فتعملوا بالمكر بمحمد.
فقال أبو البحتري بن هشام، من بني أسد بن عبد العزى : أما أنا فرأيي أن تأخذوا
محمداً، فتجعلوه في بيت، وتسدوا بابه، وتدعوا له كوة، يدخل منها طعامه وشرابه حتى
يموت، قال إبليس : بئس والله الرأي رأيتم، تعمدون إلى رجل له فيكم صغو قد سمع به
من حولكم، فتحبسونه فتطعمونه وتسقونه فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم
عليه، فيفسد جماعتكم ويسفك دماءكم، فقالوا : صدق والله الشيخ.
فقال هشام بن عمرو، من بني عامر بن لؤي : أما أنا، فرأيي أن تحملوا محمداً على
بعير، فيخرج من أرضكم، فيذهب حيث شاء، ويليه غيركم، قال إبليس : بئس والله
الرأي رأيتم، تعمدون إلى رجل قد شتت وأفسد جماعتكم، واتبعه منكم طائفة،
فتخرجوه إلى غيركم، فيفسدهم كما أفسدكم، فيوشك والله أن يقبل بهم عليكم ويتولى
الصغو الذي له فيكم، قالوا : صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل بن هشام المخزومي : أما أنا، فرأيي أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش،
فتأخذوا من كل بطن رجلاً، ثم تعطوا كل رجل منهم سيفاً، فيضربونه جميعاً بأسيافهم
فلا يدرى قومه من يأخذون به، وتؤدى قريش ديته، قال إبليس : صدق والله الشاب، إن
الأمر لكما قال، فتفرقوا على قول أبي جهل.
فنزل جبريل، عليه السلام، فأخبره بما ائتمر به القوم، وأمره بالخروج، فخرج النبي ( ﷺ )
من ليلته إلى الغار، وأنزل الله عز وجل :( وإذ يمكر بك الذين كفروا ( من قريش
) ليثبتوك (، يعنى ليحبسوك في بيت، يعنى أبا البحتري بن هشام، ) أو يقتلوك (
يعنى أبا جهل، ) أو يخرجوك ( من مكة، يعني به هشام بن عمرو، ) ويمكرون (
بالنبي ( ﷺ ) الشر، ) ويمكر الله ( بهم حين أخرجهم من مكة فقتلهم ببدر، فذلك قوله :


الصفحة التالية
Icon