صفحة رقم ٢٤٧
وصليت فيما بينهما في بيت المقدس '، فقالت : وكيف فعلت ؟ قال :' أتاني جبريل، عليه
السلام، وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام، وأخذ بيدي وأخرجني من الباب،
وميكائيل، عليه السلام، بالباب معه دابة، فوق الحمار ودون البغل، ووجهها كوجه
الإنسان، وخدها كخد الفرس، وعرفها كعرف الفرس، بلقاء، سيلاء، مضطربة الخلق،
لها جناحان، ذنبها كذنب البقر، وحافزها كأظلاف البقر، خطوها عند منتهى بصرها،
كان سليمان بن داود، عليه السلام، يغدوا عليها مسيرة شهر، فحملاني عليها، ثم أخذا
يزفان بي حتى أتيت بيت المقدس، ومثل لي النبيون، فصليت بهم، ورأيت
ورأيت '.
فلما أراد النبي ( ﷺ ) أن يقوم فيخرج، أخذت أم هانئ بحبرته، قالت : أين تخرج ؟ قال :
' أخرج إلى قريش، فأخبرهم بالذي رأيت '، فقالت : لا تفعل، فوالله ليجتر أن عليك
المكذب، وليمترين فيك المصدق، قال :' وإن كذبوني لأخرجن '، ونزع يدها من حبرته،
فخرج إلى المسجد، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر، فقام عليهم،
فقال :' ألا أحدثكم بالعجب ؟ '، قالوا : أخبرنا، فإن أمرك كله عجب، قال :' لقد صليت
في هذا الوادي صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس، ومثل لي
النبيون، فصليت بهم وكلمت بعضهم '، فصدقه المؤمنون، وكذبه المشركون.
فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف : ما ثكلتني يدي على هذا الكذاب ألا
لن أكون ذلك اليوم جزعاً، فأخذك بيدي أخذاً، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس،
ورجعتك من ليلتك، ونحن لا نبلغه إلا في أربعين ليلة بعد شق الأنفس، أشهد أنك
كذاب ساحر، فبينما هم كذلك، إذ جاء أبو بكر الصديق، رضوان الله عليه، فقالت
قريش : يا أبا بكر، ألا تسمع ما يقول صاحبك، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر
بمكة، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس، قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه : إن كان
قال ذلك، فقد صدق.
وقال أبو بكر، رضي الله عنه، للنبي ( ﷺ ) : بأبي أنت وأمي، حدثني عن باب بيت
المقدس، وعن البيت، وعن سواريه، وعن الصخرة، وعن هذا كله، فأخبره النبي ( ﷺ )،
فألتزمه أبو بكر، فقال : أشهد أنك صادق، فسمى يومئذ الصديق، اسمه : عتيق بن عثمان
ابن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة، فقال المسلمون : يا رسول الله، كيف رأيت
الأنبياء، عليهم السلام ؟ قال :' رأيت عيسى ابن مريم ( ﷺ ) رجلاً أبيض، فوق الربعة،
ودون الطويل، ظاهر الدم، عريض الصدر، جعد الرأس، يعلوه صهوبة، أشبه الناس بعروة
بن معتب الثفي '.