... قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾(١) فيها قراءتان(٢): قراءة من يقف على قوله: ﴿إِلاَّ اللَّهُ﴾، وقراءة من لا يقف عندها(٣)، وكلتا القراءتين حق، ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله، ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله. ولا يريد مَنْ وقف على قوله: ﴿إِلاَّ اللَّهُ﴾ أن يكون التأويل بمعنى التفسير للمعنى، فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاماً لا يعلم معناه جميع الأمة ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لا حظ لهم في معرفة معناها سوى قولهم: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين، والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك(٤)، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله"(٥) ولقد صدق رضي الله عنه فإن النبي ﷺ دعا له وقال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" رواه البخاري وغيره(٦)

(١) سورة آل عمران، الآية: ٧.
(٢) قول المؤلف ((فيها قراءتان)) فيه تجوز في العبارة، والأولى أن يقول: فيها وقفان.
(٣) قوله ((عندها)) يريد عند كلمة ((العلم)) انظر المكتفى في الوقف والابتدا، ص (١٩٤-١٩٧)، وعلل الوقوف (١/٣٦١-٣٦٣) تجد أنهما قد ذكرا الوقفين.
(٤) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٥/٣٥، ٣٦، ٢٣٤) (١٣/١٤٣، ١٤٤). وقول من صحح الوقفين هو جمع بين قول من قال: بالوقف على لفظ الجلالة (الله)، وقول من قال: ليس الوقف على لفظ الجلالة. انظر القولين في معاني القرآن للفراء (١/١٩١)، وجامع البيان (٦/٢٠١، ٢٠٣)، والبحر المحيط (٢/٤٠٠)، والدر المصون (٣/٢٩).
(٥) أخرجه الطبري في جامع البيان (٦/٢٠٣) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس.
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح برقم (١٤٣) بلفظ: "اللهم فقهه في الدين"، وأخرجه مسلم في صحيحه برقم (٢٤٧٧) بلفظ "اللهم فقهه"، وأخرجه الإمام أحمد في المسند (١/٢٦٦) بلفظ المؤلف هنا، وأخرجه ابن ماجة (١/٥٨) في المقدمة بلفظ "اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب" واللفظ الذي يفيد أنه دعا له بمعرفة التأويل لم يرد في الصحيحين - حسب ما رأيت - لكن الشيخ الألباني صحح حديث ابن ماجة. انظر صحيح سنن ابن ماجة (١/٣٣).


الصفحة التالية
Icon